International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> الراحل لؤي كيالي من رواد الفن التشكيلي السوري

Article Title : الراحل لؤي كيالي من رواد الفن التشكيلي السوري
Article Author : ابراهيم داود
Source : جريدة الجماهير - سورية
Publish Date : 2011-05-05


جريدة الجماهير - يومية سياسية تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر - حلب


الراحل لؤي كيالي من رواد الفن التشكيلي السوري

حلب
فنون تشكيلية
الخميس 5 -5- 2011
ابراهيم داود
لا أزال أذكر ذلك الرجل الأنيق يقف على رصيف بالقرب من مفرق باب الجنان يتأمل الباعة وبعض العمال البسطاء ، الذين يجرون عربات البضائع أو الذين يحملون السلال في أياديهم أو الأطباق على رؤوسهم ،

أو أراه في مقهى القصر وفي الزاوية الجنوبية الشرقية من المقهى ينظر من النافذة المطلة على الشارع يتأمل المارة وبائعي اليانصيب أو ماسحي الأحذية لم أجده يتكلم كثيراً حتى وعندما شاهدته في معرض الفنان الراحل ( غازي الخالدي) عندما كان يتحدث معه بين مجموعة من الفنانين التشكيليين وهو مكتف يديه ينظر له نظرة الكبرياء وكنت معجبا بشخصيته إنه الفنان الراحل لؤي كيالي.‏

لؤي كيالي ... كان اسماً مرموقاً في قاعات الفن ومنتدياته، وبات أحد الأمناء على ريادة الحركة الفنية في القطر العربي السوري منذ عام 1962 بعد حصوله على شهادة أكاديمية الفنون الجميلة في روما ... وحتى إقامة معرضه الأخير في صالة الشعب للفنون بدمشق عام 1974 ... ثم ترك الأضواء ، وقبع في بيت صغير في مدينة حلب يقاسي آلامه الثقيلة في صمت رهيب، حتى سحقه المرض فأسلم الروح الطاهرة في 26 من كانون الأول 1978، وطويت صفحة الأسطورة الفنية التي تبنت قضية المشردين واللاجئين ... والتي تغنت بالإنسان العربي الشامخ المناضل ! وقد كتب عنه (فاضل السباعي) في رثاء لؤي :‏

(إني إذ أرثيك يا لؤي، فإنما أرثي فيك نفسي القلقة المعذبة، وأرثي رهطا من الأدباء والفنانين ، فنحن ضحايا محتملة تسير على دربك، درب الفن المزروع أبدا بالأشواك التي تدمي اليد والعين والقلب والنفس).‏

وكتب معاون وزير الثقافة الأستاذ أديب اللجمى آنذاك في رثائه :‏

(كانت أعمال الفنان مركزة على الكادحين والبائسين والشاردين في رحاب الأرض، يحاولون بسواعدهم و عرق جباههم أن يزيحوا عن نفوسهم الطيبة الصافية أوشاب الدنيا و جشع الالتصاق بالتراب، لقد تفرد لؤي في التمييز بين عالم النور و عالم الظلمة ، وآمن بأن النور ينبع من الداخل ، من أعماق النفس!).‏

المأساة ... تتكرر أبدا فمن هو هذا الفنان الذي حمل آلام وآمال شعبه على كواهله المثقلة المكدودة؟ يقولون دائما إن المعاناة تصنع الفنان، كدفء الشمس يبعث في الأوصال الحركة والحياة . و لكن هذا الدفء قد يتحول إلى لهيب حارق يحول الحياة إلى رماد وأنقاض ! وهذه هي تجربة فناننا لؤي كيالي مع المعاناة الأليمة و الرفض الصامت الكئيب الذي تحول إلى مرض نفسي عضال حطم كيان الفنان وأودى بحياته وهو لم يزل في سن الشباب !.‏

بدأ الفنان الراحل لؤي يعرض إنتاجه الفني بعد عودته من الدراسة بإيطاليا عام 1961، وكانت الحركة الفنية في سورية تشق طريقها بخطا حثيثة لتأخذ مكانتها بين الأنشطة الفكرية الأخرى، وأنشئت مراكز الفنون التشكيلية في المدن الكبرى، و نشطت حركة استضافة المعارض العربية والأجنبية، كما أسس المعهد العالي للفنون الجميلة لأول مرة عام 1960 وتوالت عودة الفنانين الدارسين بالخارج ، و تعددت أساليبهم وخبراتهم، وكونوا النواة الخصبة لبناء صرح فني كان من دعائمه القوية المميزة فناننا لؤي كيالي، الذي اتخذ من الواقعية أسلوباً مستحثاً في تلخيص الأشياء وانسيابية الخطوط، أي أنه اكتفى بالشكل البصري ملخصاً ومبسطاً بوعي واقتدار، وكون لنفسه أسلوباً خاصاً في (التكنيك) يتشكل من جزئيات تجريدية تتناغم في مجملها لتصبح جماليات ومسطحات بصرية معقولة لا تنحدر إلى التطرف أو الطلاسم السيريالية ، ولعل هذا الأسلوب أنسب الوسائل عامة كأداة توصيل جيدة لشرح المضمون الإنساني التي تزخر بها لوحات الفنان ومعظمها يعالج قضايا الأرض والإنسان. وإن كانت تتسم في مجملها بطابع الصمت والقتامة والتعبير المجلل بالرهبة المضجعة. وهكذا كان الفنان صادقا مع ما يعتمل في نفسه من الإحساس بالمآسي الإنسانية بشكل عام ، وبواقع وطنه العربي بشكل خاص . فمشكلة الإنسان العربي ، واحتلال أرضه، والعبث بمقدراته، وانتشار الفاقة، وتبدد الأحلام و الآمال، كل هذا مضافا إليه حساسية الفنان وتفاعله مع بيئته بصدق واستيعاب ... جعل انفعاله يتبلور إلى طابع مأساوي أصبح أهم مظاهر فنه الأصيل .‏

ومن الصعب أن نقارن بين أسلوب لؤي كيالي وغيره من الفنانين العظام عبر قرون طويلة ... وإذا كانت هناك بعض الملامح تربط بين أسلوبين لفنانين مختلفين إلا أن الحقيقة أن لكل فنان حياته وتأثيراته وانفعالاته وعالمه الخاص، وقضية المعالجة غالبا ما تتركز أساسا في الشكل (التكنيك) أما المضمون أو الناحية الموضوعية ، فإنها حق مباح للبشر جميعا ، وقضايا الإنسان في كل العصور لا تختلف في جوهرها وخاصة فيما يتعلق منها بالمقومات الأساسية للحياة والموت والآمال والمصير.‏

وبنفس القدر من البراعة الحسية و تجسيد الانفعالات ، برع لؤي في رسم الصور الشخصية ( البورتريه ) بأسلوبه المميز حيث تتناغم الخطوط الملخصة الرشيقة مع الأوان المتجانسة المليئة بالحياة وقد لاقت تلك الصور الشخصية رواجا منقطع النظير بين العديد من الشخصيات المرموقة في سورية ومن خارجها .‏

وقد لفتت تلك الأعمال المتنوعة أنظار الناقد العالمي الإيطالي فاليريو مارياني فكتب يقول :‏

(تبدو الشخوص الإنسانية عند لؤي محاطة بتناغم من الخطوط ، ومقدمة في جو من الألوان بفهم و إحكام ، إن الثقة والحيوية تطالعك في أعماله ، تراها في الأشياء كما تراها في تصويره الواعي للإنسان!).‏

فزادت ألوانه قتامة .. وازدادت التعبيرات المأساوية على وجوه الأشخاص في لوحاته .. واتخذ من الألوان ( الباردة ) و القاتمة المتدرجة والتي يمكن أن نسميها (مرحلة رمادية) وسيلة لتعميق التعبير الدرامي في أعماله..‏

لذلك نراه يقيم معرضه الخاص الكبير 1967 و يسميه ( في سبيل القضية) يعرض فيه ثلاثين لوحة تتناول موضوعاتها رأيه الخاص في المأساة الفلسطينية .. كما تحدد بوضوح رؤية الفنان المعبرة عن عواطفه ومشاعره اتجاه ما يجري حوله و قد لاقى هذا المعرض التقدير‏

.... وحلت نكسة حزيران 1967 ككابوس مخيف يطبق على الأنفاس ... و كان معرض (في سبيل القضية) ما زال موضع جدل في كل المحافل السورية ..‏

لم يستطع الفنان تحمل صدمة المأساة الجديدة .. كانت تصورا وحدسا .. وأصبحت حدثاً ..! وهنا حدث ما لم يكن في حسبان أحد .. لقد روع رواد المعرض ـ ذات يوم ـ بالفنان نفسه .. وهو ينهال على لوحاته إتلافا و تمزيقا حتى أجهز عليها بكاملها .. ثلاثون لوحة هي فلذات كبده .. صارت حطاما تحت أقدامه !‏

لم يجد ما يعبر به عن رفضه للنكسة إلا الإقدام على قتل أولاده وبنات أفكاره .. فلنا أن نتصور مدى وقوع أحداث النكسة على وجدانه المرهفة وأحاسيسه المثقلة بأدران الحزن و أعباء الاضطهاد !‏

وأصيب بأزمة نفسية حادة .. اضطرته إلى التوقف عن عمله الوظيفي كأستاذ بكلية الفنون الجميلة .. بل وعن ممارسة الإبداع الفني لأكثر من عامين بعدها .. و لم يكن أمامه ـ بعد استنفاد إجازاته الصحية ـ إلا الإحالة إلى التقاعد ..‏

وفي مدينة حلب .. انزوى العملاق يجتر آلامه في صمت مجلل بالقهر واليأس و التأمل .. بعيدا عن الأضواء الصاخبة في العاصمة السورية .‏

إن فن لؤي ما هو إلا تعبير مجسد لإنسان يعيش في مأساة مستمرة ومتجددة ، وإن فناننا لديه من الحساسية المرهفة ما لدى لؤي ، ويعيش نفس حياته ويعاني ماعاناه ، لابد أن يكون صادقا و مخلصا في تعبيره عن الشعور بالوحدة المرة والعزلة الموحشة والآلام النفسية التي يرتبط بها . فهو لا يكتفي بالمظهر الخارجي لشكل الإنسان وإنما يلج إلى عالمه الداخلي .. فالغنائية الجمالية .. والبصيرة المبهرة .. تبدو في روعة شكلية لا تنحرف باللوحة إلى عالم الطلاسم العقلانية المتطرفة ، وكان اهتمام لؤي بانسيابية الخطوط ورشاقتها يعيد إلى الأذهان فن أساطير عصر النهضة و العصر الحديث من أقطاب فناني فرنسا في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر من أمثال ( انجر ) و ( دافيد ) وغيرهما ممن اهتموا بالمثالية الشكلية في أعمالهم .‏

وقد لخص فن لؤي أحد النقاد العالميين البارزين و هو باولو أميليو بوتشيني بقوله : ( إنه فنان رزين صاحب ضمير لم يترك نفسه تغتر بالمظاهر الفنية الخفيفة المفتعلة ، و تبدو لوحاته و كأنها ثمرة لمحاولات صعبة و دراسات و عمل متواصل ، ولكنها لم تكن أبدا نتيجة عمليات عقلية باردة جافة ، إنما نتيجة لرغبة ملحة تنبع من داخله منطلقة تنبض بالحياة و الشاعرية ، إنه يهتم بتجسيد الإنسان في مظاهره الأكثر حساسية و الأكثر شاعرية في إطار حزين ! ).‏