International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي و ذلك الموت المأساوي

Article Title : لؤي كيالي و ذلك الموت المأساوي
Article Author : نجاح حلاس‏
Source : جريجة العروبة -يومية سياسية تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر - حمص
Publish Date : 2008-07-18


لؤي كيالي و ذلك الموت المأساوي
نجاح حلاس

الجمعة 18/7/2008
مرة أخرى أرى نفسي مدفوعة للكتابة عن لؤي كيالي المبدع الكبير الذي وهب فنه التشكيلي

للفقراء وحياتهم بكل ما فيها من تعاسة وشقاء إنساني فجسد في لوحاته ركض هؤلاء خلف لقمة العيش في زواريب الحياة من اجل الاستمرار ومن اجل البقاء ادخل إلى مرسمه القابع في ذاكرتي الذي التهمته النيران بسبب سقوط سيجارة من يده وهو في حالة غياب عن الوعي ... ابحث عن أشيائه عن ريشته... عن ألوانه ... عن علب سجائره ...عن لوحاته عن ماسح الأحذية وبائع اليانصيب... عن تلك النساء الحزينات المقهورات ... عبثاً أحاول أن أجد شيئاً لكن لاجدوى كل هذه الأشياء قد تحولت إلى رماد ولم يبق سوى ذكر لؤي كيالي المدهش المتوقد ذكاءً والأكثر حساسية والذي سما بفنه حين كرسه لمعاناة الإنسان اليومية مبتعداً عن ذاك المجتمع المخملي المتخم بكل بهارج الحياة ومفاتنها الزائلة ... وحين يحول المبدع فنه للمسحوقين والمقهورين يشعر بارتياح شديد لان هؤلاء هم الذين يحتاجون إلى من يعبر عن همومهم ... إلى من يزرع الياسمين في دروبهم... إلى من يوقد نجوم الحلم في سمائهم إلى من يضع يده على جراحهم ويبلسمها... إلى من يرسم عذاباتهم ويلونها لتخرج من البيئة الحقيقة لها وتسكن على صفحة اللوحة في مساكن الإبداع . عذراً لؤي كيالي إن اتهمك أحد بالجنون فجنونك رائع كلوحاتك انه طقس من طقوس العبادة في لحظات الوله والحب الخالص فأنت من كنت تشعل مجامر البخور في مرسمك وتمارس طقوس عبادة الرسم بعد أن تتوضأ بالضوء وتصلي في محرابك المقدس صلاة العاشق المخلص لفنه ... بيدك اليمنى ريشتك المبدعة التي لم تمل يوماً من مزج الألوان وبيدك اليسرى ألوانك التي اجتمعت لتشكل قوس قزح بكل ما فيه من جمالية اللون المتمدد فوق اللوحات وكأنه آية من آيات هذا الكون العجيب 0 لم كل هذا الحزن يا لؤي في عيون أشخاصك الذين أبدعت في رسمهم ... هذا الحزن الخارج من صمتهم... النازف من عروقهم ... لم كل هذا الحزن الذي وصل بك إلى حد الفاجعة خصوصاً بعد نكسة حزيران التي لم يكن وقعها هيناً على المبدعين أمثالك ... ربما كنت تنتظر نصراً عظيماً..... نصر تزاوج بينه وبين أحلامك المبعثرة هنا وهناك ... نصراً تنتصر فيه على حزنك المعشب في دمك .... إلا أن الحلم انكسر بالهزيمة والآمال تلاشت واللوحات غلب عليها الرمادي الحزين 0 فلؤي كيالي الذي ولد في مدينة حلب عام 1934 وبدأ هواية الرسم منذ الصغر وأقام معرضه الأول في الرسم في مدرسته الثانوية وانتسب إلى كلية الحقوق ليتركها بعد ذلك ويلتحق في بعثة لدراسة الفن في اكاديمية الفنون الجميلة في روما لم يكن شخصاً عادياً بل كان مبدعاً حقيقاً فأثناء دراسته في ايطاليا حصل على عدة جوائز عالمية ثم انتقل إلى قسم الزخرفة وحصل على شهادة اكاديمية في الفنون الجميلة ... ويبدو أن عشق الوطن ورائحة البيوت العابقة بحميمية العائلة قد أعادته إلى الوطن ليعين مدرساً للتربية الفنية في ثانويات دمشق ثم نقل بعد ذلك لتدريس الرسم ومبادئ الزخرفة في كلية الفنون الجميلة 0 أقام معرضه السابع في العديد من المدن السورية وقد ضم المعرض آنذاك ثلاثين لوحة بالأبيض والأسود ( الفحم ) عبر فيها عن كفاح الإنسان ونضاله وعندما حصلت هزيمة حزيران أصيب بخيبة أمل سببت له أزمة نفسية حادة اتلف على أثرها لوحات المعرض وانقطع عن الرسم إلى بدايات عام 1969 حيث عاد إلى حلب مدينته ليتفرغ للرسم ... وأقام معرضه في عدد من العواصم العربية والأجنبية بيروت دمشق وعمان وروما وميلانو ونالت لوحاته إعجاب الجمهور المتذوق لفنه 0 تميز لؤي كيالي بالعمل الجدي والجهد الكبير والمثابرة والاستمرارية في بحثه الفني عن شيء جديد يرسمه وينقل إليه الحياة بألوانه .. لذلك نراه يذهب إلى معلولا المدينة الأثرية العريقة .. يتأملها ... يرصد حركات الناس ... يرسم طرقاتها... أزقتها ...عراقة التاريخ فيها, وفي كنائسها يرتل حزنه على شكل لوحات رائعة وتناديه جزيرة أرواد القابعة في قلب البحر المتوسط يحمل ألوانه وريشته ميمماً وجهه صوبها تستهويه حياة الصيادين وشباكهم و جلوسهم في المقهى فيرسم حزنهم وفرحهم ومغامراتهم في البحث عن لقمة العيش ... تشم روائح السمك المنبعثة من شباكهم فتعرف مدى مقدرته على الرسم وإبداعه المتميز 0 كما لم ينس الكيالي أن يرسم حياة الناس البسطاء في الشوارع وهم يبحثون عن رزقهم فرسم باعة اليانصيب وباعة العلكة وباعة الجوارب مازجاً بين حزنه النفسي ونفسه الممزقة وحزنهم المتجدد في لوحات تضج ألوانها بالحياة لكن مع غلبة الرمادي عليها وهكذا ظل لؤي كيالي يعيش أزمات الواقع وصعوباته ونكساته يتجاذبه المد والجزر على شطآن الحياة حتى انتهى به المطاف إلى الموت عام 1978 بعد أن التهمت النيران مرسمه ونقل هو إلى المستشفى ليفارق الحياة بعدها تاركاً لوحاته التي كانت تباع بسرعة بعد المعارض لتتصدر جدران بيوت الأغنياء معبرة عن ريشة مبدع حقيقي كان له حضوره المتميز في الحركة التشكيلية في سورية ويبدو أن القدر كان رحيماً به لان الموت اختطفه قبل أن يرى ما يجري في فلسطين اليوم وفي العراق ... لأنه لو رأى هذه المجازر اليومية لازداد انتكاساً وحزناً وتشرذمت روحه كما تشرذمت بعد النكسة الحزيرانية 0 لكن من يدري كيف كان سيرسم ذلك القتل اليومي وتلك البطولات ورحلة الكفاح التي تدل على الإباء العربي بل كيف كان سيرسم الأم الفلسطينية وهي تزنر ابنها بحزام ناسف ليفجر نفسه في إحدى شوارع تل أبيب وقد اختار الاستشهاد طريقاً ؟ !‏