International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> الفنان الراحل لؤي كيالي .. قيمة فنية وتعبيرية

Article Title : الفنان الراحل لؤي كيالي .. قيمة فنية وتعبيرية
Article Author : محمود مكي
Source : ملحق الثورة الثقافي
Publish Date : 2005-01-04


الفنان الراحل (لؤي كيالي) قيمة فنية وتعبيرية
الثلاثاء 4/1/2005م
محمود مكي
المبدأ
يقول الفنان الراحل(لؤي كيالي) في كراس معرضه الكبير(في سبيل القضية) الذي هزّ الضمير العربي‏‏
‏‏ وأشعرهم بمدى البعد الحضاري للأمة في هذا العصر; يقول فيه :((لابد وان هناك لحظة إشراق في حياة كل إنسان; لحظة تتجسد فيها رؤيا يتجسد من خلالها إدراكه لحقيقة وجوده وتبرير هذا الوجود; في هذه اللحظة فقط يقف الإنسان عاريا أمام نفسه..))‏‏
ويبدو أن (لؤي) الإنسان عرف الحقيقة في الحياة, وأن المعادلة الفنية الصعبة يبدأ تحقيقها من هذا المنطلق الأساسي;وخاصة; وأنه أدركها عندما رجع من إيطاليا بلد دراسته الفنية وهو يقول بكل ثقة(كل شيء هراء مقابل أن يعيش الإنسان في وطنه...) لاشك أنه تعبير حي عن مدى شعوره الكبير اتجاه الوطن الغالي وشعبه ; مما جعله ينطلق بفنه من هذه النقطة الهامة وهي (المحلية) التي حملته للوصول إلى العالمية ; فكانت أكثر أعماله تتمحور مواضيعها حولها وتدور ضمن المضمون الإنساني في أرقى معانيه..‏‏
فكان في اعماله سيد المواقف الإنسانية وأعلى درجات الوطنية لأنه رسم لها وعبّر في أعماله عنها بكل صدق وحيوية وخاصة في معارضه المتلاحقة التي كانت ترصد الواقع العربي من الناحية الاجتماعية والسياسية والقومية بأدق التفاصيل وأصدق التعابير بألوان ارض الوطن ومضمون فكري ينبع من هموم المواطن العربي..‏‏
الموقف والهدف‏‏
ولد الفنان الراحل (لؤي كيالي) في مدينة حلب عام /1934/; وبدأ الرسم في عام /1945/ حيث أشاد به الفنان الرائد(غالب سالم) ودفع به للمتابعة وخاصة عندما قدم معرضه الأول عام/1952/;وفي عام /1954/ أنهى دراسته الثانوية حيث التحق بجامعة دمشق لدراسة الحقوق; وعندما نال الجائزة الأولى في معرض طلاب الحقوق وجد نفسه بأن دراسته للحقوق لايمكن لها أن تحقق طموحاته الكبيرة وأهدافه الخاصة; وخاصة; عندما جاءته الفرصة ببعثة دراسية للفن في روما عام /1957/,وهناك تفتحت له الآفاق الواسعة فقد ساهم وضعه الأخير بشكل كبير في إغناء ثقافته الفنية, وهذا ماجعله يبدي تفوقه في إنتاج اللوحة بشكل واضح مما اتاح له تمثيل بلاده في معرض بينالي البندقية الدولي مع زميله الفنان الكبير (فاتح المدرس) عام /1960/‏‏
البحث عن الأسلوب:‏‏
عاد الفنان (لؤي كيالي) في عام /1961/ من روما الى دمشق ليمارس نشاطا فنيا متعدد الأشكال; وبحيوية قوية وغنى في الفكر المتفتح; وذلك للبحث عن الأسلوب الشخصي فبدأ بالموضوعات المحلية التي تخص المواطن; وكان اعتماده على موهبته المميزة كرسام يمتلك القدرة في رسم الخط بأسلوب واقعي ينم على الأداء المميز والإبداع فيه; وعلى هذا الاساس بدأ برسم الأشخاص بأسلوب واقعي يعتمد فيه على ابراز الشخصية برسم الخط ضمن الإطار التشكيلي; يومها شعر بمدى أهمية الخط في الفن ومدى قدراته الكبيرة في التعبير عن الأحاسيس الداخلية وأنواع الشعور في الإنسان; وتبين له قدرات الخط التعبيرية والطاقات الكامنة فيه للوصول إلى منتهى الإبداع الفني; وراح يطوّره ويطور الرسم به فجعله يتحرك في الشكل وبالشكل; والتصميم; أيضا; بحرية متناهية ليقرر بنفسه الشكل العام والقيم الفنية الأخرى التي توصله لتحقيق مضمون العمل الفني في النهاية.‏‏
استطاع الفنان (لؤي كيالي) أن ينجح بشكل كبير ويقنع المتلقي بمدى جمالية الخط الأسود وأهميته الفنية والتعبيرية وذلك برسمه بوضوح تام وملفت للنظر إلى قدراته التعبيرية الكامنة فيه وخاصة بعدما ابتعد به عن المفاهيم التقليدية والأكاديمية; وذلك بالتحوير البسيط والتشكيل الرصين ليخدم تلك الجمالية الخاصة به المتجه نحو الرومانسية الحالمة الهادئة المليئة بالحزن المحبب الى المشاهد .. وفيما بعد; وخاصة في معرضه الشهير الكبير (في سبيل القضية) حيث أصبح, في كل وضوح, يتجاهل التفاصيل الدقيقة من اجل صياغة حديثة والتي زادت لوحاته اتقانا وتطورا نحو المفاهيم الحديثة للفن والتي تخدم المرحلة الزمنية التي عاشها الفنان (لؤي),وكي يستطيع ايضاً, أن يقنع المشاهد بالموضوع الفكري الذي يحمّله للعمل الفني..‏‏
لم يتخل الفنان (لؤي) يوما عن الواقعية بقدر ما حاول تطويعها وتطويرها نحو الحداثة الخاصة به الذي يسعى بها الى الوصول نحو الأسلوب الشخصي; ذلك الأسلوب الذي استطاع به التعبير عن مكنونات العالم الذاتي المأساوي الذي يحمله في داخله نتيجة الواقع المرير الذي يعيشه الإنسان العربي; كل ذلك يأتي به عن طريق رسم الوجوه الحزينة وحركات الأيدي المتصارعة مع الوسط المناخي من خلال الفراغ الكبير حول الموضوع مع الصراع العنيف بين اللون الأسود واللون الأبيض في بيئة مليئة بالكآبة التي تسيطر على الجميع رغم الجمالية المميزة في مجمل العمل الفني ككل.. فهو يرسم دوما أشخاصا متعبة من الحياة والواقع; ونحن نراهم في كل لحظة في الطريق بصياغة جديدة تنم عن مقدرته في الأداء ورغم الجو الحزين والمأساوي فإن المشاهد يشعر براحة النظر وتجعله يتأمل ما يشاهده بكل حب لأنه يشعر بالأمل والمستقبل الجميل لذلك فهو لايشعر معها بأي إرهاق أو تعب..‏‏
وفي عام /1967/ تحول (لؤي) من الهدوء الرصين الى العاصفة والى الثورة; لأنه فنان إنسان يتبدل ويتجدد ويتأثر بالاحداث في الحياة; فقدوقعت نكسة حزيران التي تنبأ بها في يوم من الأيام; وكان لها أثرها الكبير على الحياة العربية من جميع مظاهرها وظهر أثرها الكبير على(لؤي) الإنسان فأنتج مجموعة كبيرة من لوحاته تحت تأثيرها السياسي والاجتماعي والقومي; وكانت أهم لوحاته في هذه المرحلة لوحته الشهيرة(ثم ماذا??) الذي أعطى فيها الأسلوب الجديد الذي حاول فيه رسم الشخصية العربية في الواقع الحقيقي; وذلك بتشويه الوجوه والأيدي لتؤدي دورها في بناء الهدف السياسي والاجتماعي; وكانت المساحات السوداء والبيضاء تتصارع في جو مأساوي واسع يثير المتلقي على الثورة ورفض الواقع الأليم.. وقدم فيها الإنسان المقهور الذي يعاني من أزمات الاستلاب والقهر والضياع وما عليه سوى البحث عن الخلاص..‏‏
وبعد فترة مرضه قدم من جديد أعمالا جديدة تظهر بكل وضوح مدى تحوله نحو التعبيرية التي تحمل النزعة الإنسانية البسيطة التي تبحث بالموضوعات التي تهم المواطن العادي البسيط بأسلوب جديد يتمحور حول الواقعية والسريالية والتجريدية; وتميزت اعماله في هذه المرحلة الفنية بالاشكال الجمالية البارعة الخاصة به والمتميزة بمساحات واسعة في جو مليء بالصوفية تثير المشاهد نحو التعاطف الشديد تجاه المواضيع الإنسانية التي يرسمها بكل جدية وحب.. فكانت أهم أعماله في هذه المرحلة الهامة(قارىء- ماسح الأحذية- القارئة- الشقيقتان- ذات العيون الخضر..)‏‏
لقد أثبت الفنان الراحل (لؤي كيالي) منذ اللحظة الأولى في حياته الفنية قدرات هائلة في الأداء والأسلوب الفني مع قدرته في تأثيره الكبير على الحدث اليومي وتأثره بالحدث; وتأثيره على الحركة التشكيلية السورية, كما جعل أسلوبه يتجدد من مرحلة إلى مرحلة أخرى وهو تعبير واضحٌ عن قدرته على التطور والتجديد ولكنه رغم ذلك لم يتخلَ أبدا عن مضمون لوحاته; وهو المضمون الإنساني في أرقى معانيه..‏‏