International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي في عيني ممدوح عدوان

Article Title : لؤي كيالي في عيني ممدوح عدوان
Article Author : نجاح حلاس
Source : جريدة العروبة
Publish Date : 2008-02-10


لؤي كيالي في عيني ممدوح عدوان

جريدة العروبة - يومية سياسية تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر - حمص
الاحد 10/2/2008
في كتابه « دفاعاً عن الجنون » وهي مجموعة من المقالات المنشورة يعتبر الراحل ممدوح
عدوان أنّ الأمة الخالية من المجانين الحقيقين هي أمة فيها عيب ، لأنّ كل واحد يعيش ضمن إطار هذه الأمة يريد أن يظهر بمظهر العقلاء والحكماء فيدخل الجميع في حالة من البلادة ، وانعدام الحس تحت تلك الأقنعة ، وهذا يعني أنّ الجميع يتحولون إلى نسخ متشابهة ومكررة ، ومملة ..لذلك فإن امتلاك الجرأة على الجنون أمر ضروري لأنه يحفز ، ويحرّك ...من هنا يجب عدم اعتبار المجنون عاهة اجتماعية لأن في الحياة أمور كثيرة يمكن أن توصل الانسان إلى حافة الجنون ، أو إلى الجنون بعينه . وحين لا يجن أحد فهذا دليل على تبلد الأحاسيس ..فالجنون هو حالة صحية لشعب معافى لا يتحمل إهانة. « نحن بحاجة إلى الجنون لكشف زيف العقل والجبن واللامبالاة ، فالجميع راضخون ، ينفعلون بالمقاييس المتاحة ، ولذلك ينهزمون بالمقاييس كلها ، ولا ينتصرون أبداً » هذا الكلام كان دافعاً قوياً لممدوح عدوان كي يكتب عن لؤي كيالي مقالة بعنوان: « احتفالاً بالجنون » ....لؤي كيالي الفنان الوسيم الذي كانت لديه الجرأة لإعلان جنونه دون أن يهتم للآخرين الذين حاولوا تغطية هذا الجنون الذي فضح عريهم بأوصاف اختاروها مثل أزمة عصبية أو انهيار عصبي....... لؤي كيالي كان مجنوناً طوال سبعة أعوام من النكسة 1967 وحتى الانتصار في تشرين 1973 ، ولأنه تميز بأحاسيس رقيقة مرهفة لم يستطع أن يتلاءم مع عالمنا اللامعقول فجنّ ...جُنّ لأنه فنان لا تعنيه سوى الانسانية ...، والفنان عادة يرى في هذا الكون أشياء كثيرة قد لا يراها الآخرون ...أشياء تلامس مشاعره الحقيقية الانسانية ولا تستطيع أن تكون ملتوية ...لأن الالتواء يفقدها شفافيتها ومصداقيتها ...وعندما يفقد الانسان معيار المصداقية يتحول إلى إنسان مخادع ...والمخادع يمكن إخراجه من حديقة الانسانية المزروعة بأجمل الورود وأروعها . و يعتبر ممدوح عدوان جنون لؤي كيالي « لافنياً » وكم تمنى لو أنه عكس جنونه على فئة وعلى لوحاته ، لأنه لو فعل ذلك لأبدع لوحات كثيرة فضخت زيف عالمنا المهين واللامعقول ، ولاستطاع أن يبقي خيطاً بينه وبين الناس الذين يجرحهم ليثير اهتمامهم ... إن لؤي كيالي لم يقدم فناً مجنوناً بسبب تعكر عالمه الداخلي واضطرابه قبل جنونه منذ انتقل بشكل مفاجىء من عالم الأغنياء ..عالم الدعة والترف والوسط المخملي إلى عالم البؤساء والفقراء والمسحوقين ...حين انتقل إلى هذا العالم اكتشف أشياء كثيرة كانت بعيدة عن عالمه السابق ...اكتشف عذابات الناس وجوعهم وقهرهم وألمهم فاعتبرهم جبابرة لأنهم يمتلكون القدرة على التحمل وكانت نتيجة هذا الانتقال المفاجىء معرضه «في سبيل القضية »في أيار1967 في هذا المعرض رسم الناس في لوحاته خائفين إلا أنهم أقوياء ، وملامحهم قاسية ، وأطرافهم ضخمة ...لم يستطع أن يقدمهم إلا بهذا الشكل يقول ممدوح عدوان .« لم يكن يستطيع أن يفعل غير ذلك أمام رغبته في الانتماء إلى هؤلاء الناس وأمام ذعره مما اكتشفه في حياتهم فأسقط ذعره عليهم ».
لقد قوبل معرضه بعاصفة من النقد لأن جمهوره السابق جمهور الدعة والترف يختلف نهائياً عن جمهور الشقاء الانساني ،وقد عرف أن هذا الجمهور الذي اختاره والذي كان محور لوحاته لا يمكنه شراء لوحة واحدة من هذه اللوحات ، واعتبر ما فعله نضالاً من أجل قضية اختارها بنفسه ،ولم تهدأ عاصفة الحملات النقدية التي تناولت إبداع لوي كيالي طوال حياته مما أجج في نفسه الكثير من الأمور التي أوصلته إلى الجنون ، لم يستطع أن يتماسك أكثر ، وجاءت نكسة حزيران لتزيد الطين بلة وتهز أعماقه من الداخل فهذه النكبة قد خلقت عند الناس الذين يمتلكون حساً فنياً مرهفاً وصادقاً جرحاً عميقاً .......، جرحاً لم يندمل إلا بالانتصار الذي تحقق في تشرين 1973 .
إن الهزيمة التي لحقت بنا كما يراها عدوان لم يكن العدو هو السبب الوحيد فيها وإنما السبب الأهم كان الضعف الذي عشش في نفوسنا ، هذا الضعف هو الذي جرنا إلى الهزيمة لذا جُنّ لؤي كيالي وحين شفي عام 1973 أخذ يتخبط ما بين الجنون والعافية فلم يستطع العودة إلى الستينات حيث حياة الترف التي عاشها ، ولم يستطع العمل بشكل حقيقي مع الجماهير لذلك عاش حياة اللهو المريض حتى أن اللوحات التي رسمها في هذه الفترة أصبحت مختلفة ما بين الماضي والحاضر فإذا رسم صياداً أو بائعاً متجولاً رسم بؤسه وشقاءه وتعبه في عالم صافٍ وهادىء . يقول ممدوح عدوان : « أعتقد أن لؤي كيالي بدأ فناناً ثم انتمى ولم يكمل انتماءه ( في تلك المرحلة من الانتماء الناقص أعطى إبداعاً استثنائياً » ثم صار ثمرة طبيعية للحياة التي نعيشها ، صار مجنوناً ثم يائساً ، ثم ضائعاً. مات لؤي كيالي محترقاً ، وكان قد عاش محترقاً مات محترقاً بعد أن سقطت لفافته من يده وهو غائب عن الوعي فاحترق مع بيته.
أخيراً لؤي كيالي واحد من المبدعين الذين يمتلكون روحاً مرهفة ، وأحاسيس يقظة لم تتبلد، صدم بقسوة الحياة التي اختارها ليكون مع الجماهير، لم يستطع أن يصمد أمام محنها فجُنَّ وكان جنونه دليل عافية وشاهداً على الصحوة .