International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤيّ كيّالي - الرفض والإدانَة

Article Title : لؤيّ كيّالي - الرفض والإدانَة
Article Author : عمر ألتنجي
Source : مجلة الموقف الأدبي
Publish Date : 1974-07-03


لؤيّ كيّالي الرفض والإدانَة ـــ عمر ألتنجي
مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 3 تموز 1974
إن رؤية إعلان معرض يحمل اسم الفنان "لؤي كيالي" تخلق فينا هزة عنيفة تجعلنا نسترجع في تصورنا لوحات آخر معرض له "في سبيل القضية" قبيل نكسة حزيران 1967، وما كان لهذه النكسة من تأثير عميق في نفسيته دفعته إلى تمزيق اللوحة الثلاثين والتوقف عن الرسم مدة سنتين عاد بعدها إلى الرسم بشكل بطيء إلى أن جاء معرضه الحالي بعد سبع سنوات كاملة انتهت بإعادة التوافق مع الواقع المحيط.
وبما أن التجربة القاسية المؤلمة تنطبع أخاديداً عميقة في نفسية الفرد ونموها المطرد، وفي تطوير شخصيته، أرى لزاماً على كل ناقد يريد تناول المعرض بالدراسة أن يعتمد الأسلوب التحليلي المقارن من خلال الربط ما بين معطيات ثلاث:
عرض "في سبيل القضية" والنكسة والمعرض الأخير، فقيمة المعرض السابق للنكسة تكمن في توقع حدوث هذه النكسة بما تحمله من قلق مأساوي، فظهرت لوحاته عنيفة التأثير المباشر، تمثل كابوساً مخيفاً مخضباً يبتلع شخوصاً في حالة من العصبية القريبة من الهلوسة في أوضاع تشنجية غريبة، فأغري الأفواه من شدة الألم الصامت، برزت عيونهم وتحرت أكفهم بأصابعها المتلوية، في محاولة يائية لرفض السقوط الهزيمة النكسة. فكانت اللوحات بذلك منبعاً للتوتر العالي ينطلق منها باتجاه المتفرج يهزه هزاً عنيفاً، يمسك برقبته، يحاول خنقه. هذا ما أحسسته شخصياً بكل صدق. بيد أن هذا التوتر حول خط سيره ـ مع حدوث النكسة وتحققها بكامل أبعادها ـ ليتجه هذه المرة إلى خالقه "لؤي"، وكأنه فرانكشتين، يمارس تجاهه ذات الفعل الذي مارسه مع المتفرج وأكثر. فما كان من لؤي إلا أهوى على لوحاته يمزقها إرباً غرباً في محاولة للتخلص من الألم، مكذبا ذاته والحقيقة المؤلمة، رافضاً السقوط الذي كان قد تحقق وانتهى، رافضاً الرسم لأنه رف ما حدث فعلاً. وما كانت السنوات التالية إلا مرحلة لإعادة التوافق والقبول بحقيقة الواقع الذي يجب أن يقربه، لأنه أقوى من لؤي من جهة، ولأنه هو الأساس أو الواقع المحدث الذي يجب أن ينطلق منه من جديد من جهة أخرى في عملية رفض جديدة. على هذا الأساس يجب علينا أن ندرس المرحلة لتالية. فماذا حملت المرحلة التالية من قيم؟؟
لؤي كيالي كفنان حقيقي أصيل لم يخيب آمال من ينتظرون نتاجه بلهفة، فقم لهم معرضاً رائعاً مكوناً من تسعة عشر عملاً تمتاز بجمالية لونية غنية وجريئة، فألوانها جديدة مبتكرة الاشتقاق حتى لنستطيع أن نسميها ألوان لؤي كيالي، إضافة إلى أن المادة التي يستعملها ـ نشارة الخشب المضغوطة ـ تزيد في جمالية اللون وغناه، كما تساعد في إبراز التعبير القاسي الحزين الذي يريد الفنان أن يوصله إلينا.
تتضمن الأعمال ثلاث لوحات عن معلولا، تتسم بقوة التشكيل وثقله ومتانة دراسته، اختفى الإنسان من هذه اللوحات الثلاث فأخذت صفة هدوء تاريخي أبدي.
أما باقي اللوحات فتمثل أشخاصاً استقى الفنان نماذجها من الواقع البائس، يمارس أغلبهم أعمالاً متدنية، كالغسالة والحذاء والطفلة بائعة اليانصيب. التشكيل في اللوحات متوتراً بسبب وجود شخوصها في طرف اللوحة بشكل مثلث قاعدته للأسفل حيث يشدنا التشكيل قسراً باتجاه أفقي إلى داخل المثلث، ليقودنا بعد ذلك إلى أعلى ـ إلى رأس المثلث ـ حيث يستقبلنا وجه الطفل فيفضي غلينا بأسراره من خلال عينيه وابتسامته الرهيبة.
أما الخط فهو قوي جميل منساب، يحيط بالشخص، فاصلاً ما بينه وبين الخلفية بوضوح في محالة ناجحة تماماً لعزل الشخص ووضعه في حالة من الانطواء على الذات، فنحس وكأن شخوص الفنان تغط في حالة من الغياب عن الواقع المؤلم، كما في لوحة الغسالة أو عازف العود. فأشخاص لؤي يعيشون عوالمهم الذاتية الداخلية باستسلام رهيب وبوضع ساكن أقرب إلى الجمود لا يفسر إلا على أنه رفض للعالم الخارجي المحيط. وبهذا لم يتخل لؤي عن قيمة الرفض القديمة في معرضه الجديد. وهنا الصفعة الأولى توجهها إلينا شخوص لؤي. إن المتعمق في لوحة "أمام باب المقهى" يشعر بقيمة جديدة تضاف إلى الرفض، فالطفل يقف أمام باب مقهى يؤمه المثقفون يمارسون الجدل البيزنطي والأحاديث التافهة، يقف على عكازين في وضع ساكن، يحمل بإحدى يديه بعض أوراق اليانصيب، يخبئ في عينيه حزناً عميقاً على طفولة لا يمارسها وحياة يعيشها بأقسى صورها، وعلى فمه الصغير ترتسم ابتسامة سخرية، لقد سلبوه كل شيء، ومع ذلك فإنك تحس أنه يشفق عليهم، إنها الإدانة بكل أبعادها، وهي الصفعة الثانية التي نتلقاها بكل وجل وتقدير. قال لؤي عن لوحة "بائع الأقلام": "الطفل يبيع الأقلام للمثقفين". وهذا الكلام الساخر من عدد من المثقفين الجوف إلا تأكيداً على قيمتي الرفض والإدانة لواقع مظلم زاخر بالأخطاء.
مما تقدم نرى أن الفنان قد تحول من التعبير المباشر في معرض "في سبيل القضية"، إلى العبير غير المباشر في معرضه الحالي الذي يتسم بنفسه التوتر وقد أصحب داخلياً نشعر به أثناء غوصنا داخل نفسيات شخوصه الجامدة، في عمق المساحات الجمالية الواسعة.
أما لوحة "من تحت الأنقاض" التي رسمها الفنان بعد أن قام الفدائيون بعملية معالوت ترشيحاً، شن الإسرائيليون غارات وحشية على مخيمات اللاجئين جنوبي لبنان، راح ضحيتها الرجال والنساء الشيوخ والأطفال، فكانت من أعظم لوحاته وتمكن روعتها في أنها تحمل في آن واحد قيم المعرضين معاً الرفض والإدانة لواقع مليء بالبؤس والشقاء، الرفض والإدانة لواقع يتألم فيه الإنسان ويقتل كما أنها تجمع بين التعبير المباشر والتعبير اللامباشر.