International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي ذكريات معه وقراءات نقدية في فنه

Article Title : لؤي كيالي ذكريات معه وقراءات نقدية في فنه
Article Author : صلاح الدين محمد
Source : من كتاب سلسلة ( الفن للجميع ) - دمشق - إعداد : سعد الله مقصود
Publish Date : 1999-00-00


من كتاب سلسلة ( الفن للجميع )
إعداد : سعد الله مقصود
دمشق 1999
لؤي كيالي
ذكريات معه وقراءات نقدية في فنه
بقلم صلاح الدين محمد
في الفن وتاريخه ثمة محطات لا يمكن أن تنسى ..تطرح نفسها بقوة واستمرار كعلامات تصدم الخيال والعقل والمشاعر،تاركة في كل لحظة استعادية علامات استفهام يكتنف الغموض إجاباتها. وتبقى العوامل الحياتية هي الأكثر تحريضاً على ديمومة صورة الفنان عبر العصور إضافة إلى العطاء الفني نفسه الذي يخلق نقاط فصل في المسار الفني والذي يسمى عادة بالأصالة الفنية وكما ارتبط الإنتاج الفني وتلاحم مع الجانب الحياتي للفنان , كلما ازدادت قيمة التجربة الفنية وامتلكت خصوصيتها , وفي تاريخ الفن نماذج عديدة تؤكد هذه المنطلقات , والفنان لؤي كيالي نموذج (حي) على ذلك .
لا يشك أي متابع فني على السوية الفنية الرفيعة لإنتاج الكيالي اذا ما أخذناه بمجمله وكتقييم نهائي ولكن ذلك ليس كافياً في تعليل ظاهرته كفنان استمر حضوره بقوة بعد موته وكأنه مازال موجوداً بيننا بزيتياته وبؤسائه وآهاته وقامته المديدة وعينيه العميقتين ولحيته المميزة .
أن تعليل ظاهرة الكيالي أمر يستمد نفسه من وقائع أصبحت الآن معروفة وبحكم البديهيات النظرية كحالة توصيفية وليست تحليلية , وإذا كنا نعتبر أن هذا من مهمة جيلنا فان المهمة (حقيقة ) تقع على عاتق المحللين الذي سيولدون في القرن القادم ومن واجبنا أن نؤمن لهم الوقائع أي الجانب المعلوماتي والتوثيق لنساعدهم على ذلك . وهذا ما لم يتم حتى الآن .
إن خصوصية طفولة الكيالي ويفاعته , وظروف دراسته في روما وسلوكه الشخصي الذي بدأ يتكون وقتئذ وبدايات انطلاقته في سورية ولغة الخطاب الفني التي كانت سائدة وقتئذ والانتقادات الحادة لأفكاره وأساليبه الفنية بل لأفكاره النظرية ومضامين لوحاته والتحولات السياسية والاجتماعية في حينه والمواجهات النقدية قبيل حرب حزيران عام 1967 وأثناءها وبعدها بأبعادها المتمازجة بين الفني والفكري والسياسي والشخصي .وانتكاسته الفنية والحياتية وقتها ودخوله مستشفى الأمراض العقلية غير مرة واستعادته اللاحقة لفنه وانسجامه النفسي ومحاولاته المتكررة في الاستقرار مجدداً في روما والاحباطات المرافقة لها أو الناجمة عنها ونظرته الخاصة إلى الحياة والمجتمع من زاوية مثالية , والعلاقة بين الأفكار التي كان يطرحها شفاهة وتجسيد هذه الأفكار والطروحات النظرية في لوحاته والمواجهات النقاشية الحامية وقتئذ والتساؤلات الصاخبة (حول حياته وسلوكه الشخصي ) التي لها معطيات على أرض الواقع أو تلك التي من نسج الخيال والوهم ، وحادثة احتراقه المؤثرة ، ومعاناته التي تفوق كل وصف قبيل موته ، كل ذلك يخلق من الكيالي أسطورة فنية معاصرة تضاف إلى تاريخيات الفن التشكيلي وحكاياها لاسيما الفن العربي لم يصنع بعد نجومها كما حدث في أماكن أخرى من العالم منذ قرون عديدة.
ولد الكيالي في حلب عام 1934 ومفصل هويته ( لؤي كيالي,الأب:حسين .الأم:مجيدة.
مكان الولادة :حلب_ سويقة _ حاتم,خ 9/1 , تاريخ الولادة 21/1/1934 ) بدأ اهتمامه بالرسم في عام 1943 وأقام أوائل معارضه المدرسية في قاعة الثانويات الأولى للبنين في حلب عام 1952 وعام1953 , والتحق بدراسة الحقوق في جامعة دمشق بعد إتمامه المرحلة الثانوية . وحصل في عام 1955 على أولى جوائزه على فنه وهي الجائزة الثانية في معرض جامعة دمشق (الجامعة السورية ) حيث تفارق أمة الحياة في ذلك العام ومع عام 1956 يفوز في مسابقة وزارة التربية (المعارف سابقاً ) لدراسة الفن بروما ويوفد فعلاً إليها في عام 1957 وينال العديد من الجوائز الفنية ابتداءً من عام 1958 ( مسابقة سيليسيا- رافينا - مسابقة كوبيو - ألاتري ..) وهو مازال طالباً ومن المفيد أن ننوه بأنه انتقل من قسم التصوير الزيتي في أكاديمية روما الى قسم الزخرفة (الديكور) فيها عام 1958 بعد خلاف مع أستاذه جنتليتي ( الفنان الايطالي المعروف ) حيث أقام وقتها معرضه الشخصي الأول الذي أثار اهتمام النقاد لأول مرة وتتابعت معارضه الشخصية ليشترك في عام1960 في بينالي البندقية .
حصل الكيالي على شهادة أكاديمية الفنون الجميلة بروما عام 1961 لتبدأ مسيرته الفنية في سورية مدرساً في حلب أولاً ولاحقاً في دمشق وليشترك في معارض الدولة الرسمية لأول مرة بعد رجوعه ومن خلال معرض الربيع ويقدم معرضه في صالة الفن الحديث العالمي بدمشق والذي أثار اهتماماً واسعاً , وينجح في مسابقة الميعيدين في جامعة دمشق لينتقل في عام 1962 إلى تدريس مادة الرسم ومبادئ الزخرفة في كلية الفنون الجميلة بدمشق كمعيد , ويقدم هذا العام معرضه الشخصي الرابع في الصالة المذكورة نفسها وكان البورتريه الطابع الغالب على المعرض ويثار جدل نقدي حول إنتاج الفنان هل فنه محلي أم لا ؟ ومع عام 1963 يرفع إلى مرتبة (مدرس ) في كلية الفنون ليقدم معارضه في ايطاليا ابتداءً من العام التالي ( صالة كايرولا بميلانو 1964 وصالة الكاربيه في روما 1965 ) ويبدأ التحول في مساره الفني مع لوحته ( ثم ماذا ؟ ) ليبدأ في وقت لاحق تقديم أعمال أكثر وضوحاً ضمن مفهومية الالتزام وقتئذ ( الإنسان في الساح , الكادح.. 1966 ) حيث يرى النقاد في أعمال لغة مسرحية وافتعالاً وتشويهاً لأبناء العاصفة والمقاتلين ويقيم معرضه الشهير ( في سبيل القضية ) في صالة المركز الثقافي في دمشق 1967 والذي ضم 30 لوحة منفذة بالفحم تصور الإنسان العربي في مسار تحرره إذ تخرج شخوصه من السكينة والهدوء إلى عالم العنف والمواجه ويتجول المعرض في عدد من المحافظات السورية أخرها اللاذقية حيث ينتهي المعرض عشية حرب حزيران ويرى النقاد في مضامين أعماله تهجماً على الإنسان العربي وتشويهاً له ومزايدة سياسية وكاريكتيراً , ولا يتطرق النقد إلى جوهر التشكيل في العمل بل إلى الموضوع الذي وجده باهتاً وتثار ضجة إعلامية حول المعرض ومع يوميات حزيران النكسة يقدم عدداَ من الإعلانات السياسية التي تحمل في طياتها أمل النصر ويدين الرجعية العربية والحكام المتخاذلين ضمن لغة الخطاب السياسي السائد وقتئذ بعد انتهاء الحري يصاب الكيالي بأزمة نفسية حادة ويتلف أعمال معرضه السابق ويوفد إلى بيروت للاستشفاء بعد عام ونيف ليعود إلى عمله وكلية الفنون الجميلة .
( 1969 – 1970 ) حيث يتوفى والده حسين ( 1970 ) ولم تعد حالته الصحية تسمح له بالتدريس فيترك العمل في ( 4 / 4 / 1970 ) ويصدر لاحقاً كتاب إحالة الكيالي إلى لجنة التسريح الطبية لبيان حالته الصحية ويستقر الكيالي في حلب ( 1971 ) بعد سنوات من المعانات الشخصية ويبدأ ارتياد مقهى القصور وينتسب إلى نقابة الفنون الجميلة ليصدر قرار بتسريحه من جامعة دمشق في العام التالي (1/1 /1972 ) حيث بدأ الاشتراك من جديد في المعارض ويقيم في أيار من ذلك العام معرضاً مشتركاً في دار الفن الأدب في بيروت يرفده بمعرض شخصي هام في منـزل الدكتور علاء الدين الدروبي ومع عام ( 1973 ) يسترجع لؤي الكيالي صحته تماما ويبدأ العمل بغزارة ويقيم معرضه التاسع في صالة الشعب بدمشق ولأول مرة بعد سبع سنوات من انقطاع فعالياته الفنية فيها ويحقق المعرض نجاحاً كبيرا ويمكن اعتبار هذه الفترة وما تلتها من سنوات حتى بدايات
عام ( 1976 ) مرحلة ذهبية في إنتاجه وهي الفترة الأساسية التي فصلت معطياتها الحياتية والفنية في دراستنا هذه حيث أقام العديد من المعارض الشخصية والمشتركة في كل من حلب ودمشق وبيروت وكندا وبدأت مواضيع الزهور والقوارب تبرز بشكل قوي في أعماله ومع معرضه الأخير في دمشق (1976 ) والأخير في حلب ( 1977 ) بل آخر معرض له يجد المتابعون في طروحاته الجديدة تراجعا في مضامينها وتشكيلاتها وذهب البعض إلى الاستنتاج بأن الكيالي لم يعد مقنعا في التعبير عن القضية التي حملها لسنوات عديدة .
لقد كانت فكرة إقامة المعارض في ايطاليا أو الاستقرار فيها تراود الكيالي دائماً وقتئذ وقد سافر بالفعل الى روما عام ( 1975 ) ولكنه رجع ليعاود السفر من جديد في عام (1977 ) مقرراً الاستقرار فيها وبشكل جدي ولكنه يعود مرة عام ( 1978 ) حاملاً معه أسلوبا جديدا في التصوير الزيتي يختلف بشكل جوهري عن المألوف في فنه ويستقر في مرسم بسيط على أطراف مدينة حلب بالإيجار بعد أن كان يملك مرسما لائقا في إحدى الأحياء الراقية في حلب وبدأ يعاني من أزمة صحية بعد التغير في نمط حياته المجهدة فاستبدل إجهاداً بإجهاد قوامه حبوب الفاليوم وبدأ وزنه يتناقص شهراً بعد شهر إلى أن تحول إلى هيكل عظمي دون ظهور بوادر لإنقاذ حياته كما حدث في المرات السابقة ويحترق الفنان في غرفته بل يحترق جزء من جسمه فجر يوم (10 /9/ 1978 ) وضمن وضع يكتنفه قدر من الغموض وما يعرف على وجه التأكيد بأن الأمر قد تم بفعل سيجارة كان يدخنها وينقل اثر الحادث إلى مستشفى الرازي بحلب ومن ثم إلى المستشفى الجامعي فيها فمستشفى حرستا بدمشق ضمن رعاية حكومية عاجلة ويموت الفنان في ( 26 /12 /1978 ) اثر مضاعفات الاحتراق بعد أن أعطى للفن إضافات حقيقية ويدفن في حلب في اليوم التالي ... وفيما يلي جانب تفصيلي لجزء من فنه وحياته .
المرحلة الذهبية
1973 -1975
مرحلة ذهبية , من زاوية حياتية وفنية معا تمتع الكيالي فيها بتوازن نفسي واستقرار معيشي ومادي مكنه من حرية اختيار طريقة الحياة التي يريدها واستطاع الحصول أخيراً على مرسم , غيره لاحقا إلى أفضل وعاد إلى حياته الاجتماعية الاعتيادية جامعاً حوله صفوة الوسط الفني الحلبي ليكون هو المحور والدائرة , نزعت عنه حرب تشرين الانكسار وكابوس الهزيمة , وأظهر نشاطاً فنياً متميزا ً ورجع مشاركا في الفعاليات الفنية مقيما لمعارضه الخاصة وجاء معرضه في صالة الشعب بدمشق (1974 ) بعد غياب سبع سنوات كحدث فني تاريخي أعاد إلى الأذهان نجاحاته الكبرى في معرضه الأول (1961 ) وصدر عنه كتاب من قبل نقابة الفنون الجميلة , وتزاحمت الكتابات على صفحات الجرائد للحديث عن إبداعاته واشراقاته الفنية , وباتت أعماله تباع بالكامل واستطاع أن يسافر ويتجول وعادت ضحكاته القلبية تدوي طاردة سعلاته الدخانية ... كل هذا تجعلني أسمي المرحلة بالمرحلة الذهبية(1) لتأتي التسمية منسجمة مع توظيفه البارع والواسع للون الأصفر الذهبي وربما لأول مرة بهذا الوضوح والغزارة في إنتاجه ومتوافقة مع لجوئه إلى تقنية الخشب المضغوط التي أعطت لزيتياته تموجات كرستالية وإيحاءات فسيفسائية فزادت من جمالياتها جمالاً وحيويتها حياة . ولم أشمل عام 1976 ضمن هذه المرحلة لأسباب تتعلق بالتغيرات التي طرأت على إنتاجه وطريقة حياته بالرغم من مصاعب تلمس هذه التحولات التي حدثت ببطىء وجاءت كمقدمات لإنتاجه الأخير (1977 – 1978 ) الذي شهد إشكالات فنية حادة سنأتي للحديث عنها في حينه .

وقائع عام 1973
مع بداية عام 1973 كان وضع لؤي قد تحسن تماما ولكن آثار الأيام العصيبة وبصماتها كانت ما تزال تلقي بظلالها الرمادية على وجهه , تدفعها إلى بعيد أحلام بولادة لوحات رائعة تنسيه عالما سيطرة عليه الكوابيس والهواجس , أنها الرغبة الهائلة في العطاء وتطوير إنتاجه شكلا ومضموناً , ثمة أمور عديدة قد تغيرت في داخله ,ثمة رؤى شفافة باتت تنساب في عقله وأحاسيسه , يتذكر روما ونجاحاته الأولى في دمشق , يتذكر الضباط والفوانيس الليلية المزروعة في الشوارع المهجورة , يتذكر كل اللحظات الجميلة جالساً في مقهى القصر يتأمل ..ويشيح بوجهه بعيداً كأني به يقتلع الأزمان من جذورها والأمكنة من دلالاتها .. انه الصخب الهائل في صمته .
شارك في معرض ربيع ذلك العام في حلب بعشر رسومات تخطيطية دفعة واحدة مرسومة بقلم الرصاص , وقدم إلى معرض فناني القطر الذي أقيم في آب لوحته ( عازف الكمان ) التي سبق وأن عرضها في مقهى القصر مثيراً كل إعجاب وشارك في المعرض السنوي العام الثالث الذي تنظمه نقابة الفنون الجميلة في شهر أيلول بلوحته ( بائع المسكة ) متجاوزاً بذلك الموقف الذي اتخذه في الأسبوع الأخير من العام السابق بانسحابه من النقابة ولعل الحدث الأهم في العام كان اشتراكه في (المعرض العربي العام ) في بغداد حيث قدم لوحته بائع اليانصيب من إنتاج عام 1972 والتي استأثرت باهتمام إعلامي واسع ورسم الكيالي بغزارة لافتة ( بائع الجوارب , أزهار عباد الشمس , مرمم شباك الصيد , عامل التنظيفات ..) وبات يحضر لمعرض شامل مبهر في دمشق مستطلعا آراء الفنانين في إنتاجه الذي كان يعرضه في مقهى القصر دون أن يأخذه أي تحسس من أي انتقاد أو رأي ويصطحب من يثق بهم إلى بيت عمته في حي ( بستان زهرة ) يقيم لاطلاعهم على آخر إنتاجه .. وهكذا تحول مقهى القصر إلى منتدى ثقافي فني , تجري فيه مناقشات فنية حادة تستكمل حواراتها ربما في أمكنة أخرى , لقد كانت الأجواء الفنية رائعة, منسجمة مع نفسها تحتضن الكيالي بمنتهى الاحترام والرقة والشفافية وتعامله كمعلم في الفن حيث تباع أعماله بالكامل كل ذلك ساعده على التمتع بتوازن مدهش بين عالمه الداخلي والوسط الذي يحيط به ولم يكن صعبا تلمس ارتياحه فدخل مرحلته الجديدة باطمئنان على أيامه القادمة .
أسعد المدارس بإقامته المديدة ومحفظته السوداء التي تحوي أوراقاً ودخاناً يحلل مقالاً نقدياً له مدافعاً عن استنتاجاته ، أو يناقش لوحة معروضة أو يتحدث عن تحضيرات معرضه الجديد و وحيد مغاربة ، الفنان الممتلئ نشاطاً وحيوية، الأكثر عزلة ، والأعمق تجديداً ، وتجريبية واكتشافاً لحلول تشكيلية تتميز بالأصالة والحداثة معاً ، ووحيد استانبولي النحات المخضرم الصامت ، المزروع حتى الأعماق تواضعاً هادئ في ظاهره ، حساس للغاية في أعماقه ، يغيب عن الأنظار ليعود من جديد يحلم بترك وظيفته في بلدية حلب تخلصاً من ( الإملاء الرسمي ) بعد أن زرع حلب ( شوارعها وساحاتها ) بأعماله .
وعبد الرحيم تاتاري ، الفنان الغزير الإنتاج والبدين الطيب القلب ، انتقل من النحت إلى التصوير الزيتي ليرسم بحماس شديد ويقيم معرضاً تلو الآخر مدهوشاً بتجربة لؤي الفنية والحياتية وسعد يكن الفنان الذي ترك كلية الفنون ليتفرغ إلى فنه وتجربته الشخصية غير مكترث بالانتقادات ومداعبات أسعد المدرس لمعرضه المشترك مع الفنان فاروق مرعشي ، ماضٍ في أسلوبه حتى النهاية ، وعبد القادر بساطة ، الفنان الطيب البسيط المتواضع ، الخدوم المحب ، المرهف الإحساس وعبد الرحمن مؤقت ، النحات المغمور الذي أنهى خدمته العسكرية للتّو ليعمل تكوينات تجريدية لافتة متمتعاً بأرضية ثقافية وطموحات فنية لا حدود لها ونبيه قطاية الفنان المتحدث بعمق وجمالية عن الفن ، الخاص في كل شيء والمتميز في طروحاته الجمالية مستنداً إلى جانب معرفي متعمق في الفلسفة وتاريخ الفن ومحي الدين لاذقاني الشاعر الصاخب المتحرر في أفكاره ورؤاه والذي رجع من الجزائر حيث كان يدرس ، وليعد جريدة صوت الجامعة لأشارك فيها بمقالات تشكيلية وفاتح ديري الطالب أيضاً كلية الآداب ، قسم اللغة الفرنسية ، مهذب إلى أبعد الحدود ، مشدود إلى الفن ، ساعدته ظروفه لاقتناء أعمال عديدة للؤي . ولؤي فؤاد الأسعد الشاعر الذي رجع من جديد إلى الرسم وبثقة، وعمر التنجي الطالب الجامعي صديق الفنانين وبسام طحان ونادر جركس وغيرهم .
كانت هذه هي الدائرة هي التي تجمعنا كل يوم مع لؤي في عام 1973 قي مقهى القصر أو أي مكان يتم تحديد موعد فيه ، وكان الكيالي يشعر إلى أي مدى يحظى بتقدير جلسائه واحترامهم وكنا نشعر بسعادته التي تنبعث كالاشراقة من وجهه... ونتلمس وقوفه أمام مرحلة جديدة .. كأن شيئاً ما سيولد، كأن شيئاً ما سيشع في فنه ، وكانت الجلسات تطول يوماً بعد يوم ،شهراً بعد شهر ، ولؤي يغيب أحياناً ليرسم من جديد وبإرادة كبيرة . وقدم لنا مفاجأته الكبيرة وقتئذٍ حينما عرض لوحته (عازف الكمان ) في مقهى القصر في شهر أيار أو حزيران ولكن المفاجأة أصبحت تقليداً عنده ليعرض عملاً تلو الآخر بعد تصويرها في محل مصور قريب ، ولتباع فوراً ، ممتنعاً في فترة لاحقة عن البيع مؤقتاً للتحضير لمعرضه الدمشقي . مكتشفاً مادة الخشب المضغوط للرسم عليه والذي يعطي تأثيراً ممتازاً بفعل نشارة الخشب فقدم من خلال ذلك تقنية جاهزة جديدة أو صلته إلى موزاييكية لونية متناغمة التونات ، شاعرية الطابع .
وكان السادس من تشرين ... وجاءتنا الأخبار الأولى ونحن مع لؤي في مقهى القصر ، تغلق المحلات كافة أبوابها بما فيها المقهى الذي نجلس فيه فانتقلنا إلى المقهى السياحي الذي بقي الوحيد مفتوحاً وبدأنا نتابع أخبار الحرب وتحرير القوات العربية للجولان المحتل وسيناء ، كل ذلك دقيقة بدقيقة ، لحظة بلحظة من خلال المذياع الذي وضع بشكل عاجل خصيصاً بمناسبة الحدث الكبير وشعرت وكان لؤياً يشلح مساماته المغموسة بحزن حزيران بعيدة عنه ، ينفعل بكل خبر .. ويردد
( يا لها من خطوة رائعة ) وعلائم فرحة لا يصدقها العقل تتدفق من عينيه ، فاركاً كلتا يديه بسرعة عجيبة تحدث صوتاً مؤثراً ليقول مجدداً ومجدداً يا لها من خطوة ثورية ... وكأني بكل آلام الماضي يخلعها دفعة واحدة ، وكان معنا الراحل أسعد المدرس الذي غادر بعد أيام وبشكل مفاجئ إلى بيروت ، وبقي المقهى السياحي طوال تلك الأيام الحاسمة مركزاً لتجمع الأدباء والفنانين والمثقفين وكان مشهداً لا ينسى : عشرات من أجهزة الترانزيستور على الطاولات وصوت دمشق الهادر يبشر بالتحير واندحار قوى الظلام .
وتنتهي أيام تشرين وأشياء عديدة قد تغيرت ، ومفاهيم جديدة قد ولدت ، فعاد الكيالي إلى الرسم من جديد وبحماس شديد ، نازعاً أجواء الانتكاسة من وجوه نماذجه الجديدة ، مقدماً لوحته ( من تحت الأنقاض ) في الفترة لاحقة يجسد فيها مشاعره المؤلمة جراء قصف أحد الأحياء السكنية في دمشق من قبل الطيران الصهيوني ولنا عودة إليها .
وقائع عام 1974
إني لا أعرف فترة زمنية أكثر من عام 1974 وقد عاش الكيالي فيها تألقا فنياً ونفسياً وصحياً فشارك في المعرض السنوي لفناني سورية ( الذي أقيم في حلب بدلا عن معرضي الربيع والخريف بعد إلغائهما ) بلوحتين هما ( العيون الخضر وعامل التنظيفات ) وفي معرض فناني القطر الذي تقيمه نقابة الفنون الجميلة بلوحة ( إلى السوق ) وقدم إلى معرض فناني حلب الأول خمس لوحات
( المرضعة – عازف العود- أمام باب المقهى – الشقيقتان – الحبلى ) وقدم معرضه الرائع في صالة الشعب بدمشق من ( 11 -18 ) حزيران الذي ضم (19 ) لوحة منها ثلاث لوحات عن معلولا وعددا من المواضيع التي تتعلق بالأمومة ( المرضعة –الحبلى ) ولوحات أخرى مألوفة كمواضيع في إنتاجه ( يانصيب , بائعة يانصيب , فلاحة , في الصباح , الحمال الصغير , غسالة ...الخ) ولوحتين لم نعهدهما في إنتاجه من قبل ( الشقيقتان , العاشقان الصغيران ) وتأتي لوحته ( من تحت الأنقاض ) رجوعاً إلى مواضيعه الملتزمة السابقة ولكن باتجاه عقلاني هادئ , إضافة إلى لوحة عازف العود التي استمدها من لياليه في أحد النوادي الليلية وهي اللوحة الوحيدة التي خرج بها ضمن معايشته الطويلة لتلك الأجواء وكما سنرى . وقد رافق المعرض صدور كتاب عنه وإن كان صغيراً ولكنه أعتبر الأمر بادرة طيبة ونوعية تركت فيه أثراً بالغاً , ومن الإنصاف أن أنوه بمؤلف الكتاب الفنان ممدوح قشلان الذي وقف مع لؤي في محنته بصفته نقيبا للفنون وقتئذ وشمل هذا التعاضد توسطه لدى الجهات الرسمية لتطبيب لؤي ورفع راتبه التقاعدي وتوج ذلك بالكتاب وساهم في طباعة دليل أنيق يليق بعودة الكيالي مجدداً إلى الساحة التشكيلية فارساً أنهى استراحته المؤلمة .
استقبل معرض الكيالي استقبالاً جماهيرياً وإعلامياً بشكل يفوق الوصف وميزه منذ اللحظات الأولى عن المعارض التي تقام عادة في العاصمة وباع أعماله كلها وتجمع حوله الفنانون والنقاد ومعارف الأمس وأقيمت ندوة فنية ناجحة لمناقشة أعماله , وتحولت الباحة الصغيرة خلف صالة العرض في نقابة الفنون الجميلة إلى ندوة دائمة وحرص على زيادة محترفات الفنانين ( مصطفى الحلاج –فائز نهري- عيد يعقوبي ) وعمر حمدي الذي تعرفت عليه لأول مرة من خلاله , ولازمة عدد من المثقفين أخص بالذكر منهم الأديب الراحل سعيد حورانية , وتجول في أحياء دمشق وقضى أوقات ممتازة في متنزهاتها الصيفية .وعود على بدء رافقه إلى دمشق الفنان سعد غنايمي الذي أصبح له أهمية خاصة في حياته سأبينها بعد قليل . وبالنسبة لي وفور انتهائي من فحوصاتي الجامعية غادرت حلب إلى دمشق التي لم أزرها إلا مرة واحدة عندما كنت في الثانية عشر من عمري والتقيت بلؤي وبسعادته الخالدة في ذهني ليرجع الغنايمي بعد أيام إلى حلب ولأبقى مع لؤي في دمشق (3 ) لقد كانت تلك الأيام رائعة حقاً وأتذكر بكل وضوح جلساتنا في إحدى مطاعم الربوة حيث عبر بصريح العبارة وقتئذ (( لقد رجعت لؤي من جديد...إنني سعيد فعلا بعد فترة طويلة من المعاناة , إن لحظة سعادة واحدة تعادل العالم ولا بدأن تكون الأيام القادمة رائعة )) ورجعنا معاً إلى حلب بائعاً كل لوحاته ( كما قلت ) محضراً معه لوحات قليلة كانت قد بيعت من قبل في حلب لتسليمها إلى أصحابها وأغادر بدوري حلب إلى قريتي على حدود اللواء السليب لأبدأ استعداداتي لتحضير مشروع التخرج في الهندسة المعمارية وتقديمه بعد أشهر قليلة وقد حرص لؤي على زيارتي مع الفنان سعد غنايمي أكثر من مرة في القرية لنقضي أوقاتاً في الصيف الجميل (( كفر جنة ))
يقول في ذلك الفنان سعد غنايمي في تصريح خطي لذكرياته مع الكيالي : ( غاب صلاح بسبب مشروع التخرج ليفرغ نفسه له, وإذ بلؤي يأتي يومها ويلح علي : يجب أن نبحث عن صلاح ونطمئن عليه , فقلت له كيف ؟ قال أعرف اسم قريته , تبعد
/15 / كيلو متراً عن عفرين اسمها قوجمان فذهبت معه وحين وصلنا شعرت بلؤي وكأنه ملك الدنيا ولم أقدر عن التعبير عن هذا الموقف وصلاح كذلك .(4 )
لقد تعرفنا على الفنان سعد غنايمي معا في إحدى ليالي عام 1973 ونحن سهارى فأخذنا قبيل الفجر إلى مرسمه بل إلى محترفه ويدي على قلبي طوال الطريق ونحن نسير مشيا على الأقدام لأننا نجهل عنه أي شيء ولم يمض على تعارفنا إلا ساعات , ولكن يبدو أن لؤياً كان يمتلك فراسة قوية إذ وجدناه ودوداً طيباً , بسيطاً صاحب مهارة عالية في تصميم الزخرفة الخشبية حيث استأثرت تخطيطاته باهتمام لؤي البالغ وأعجب بإمكاناته الفذة في الحفر على الخشب إلى درجة أنه عرض عليه أن يرسم له بورتريهاً بكامل الطول ( بمقياس 80 ×180 ) مقابل صناعة كرسي له من الخشب المحفور وأصبح يتابع مراحل النجارة والحفر بنفسه ويقف ساعات طويلة في الورشة ويراقب طريقته في الحفر على الخشب القاسي وبالرغم من ذلك العمل المضني لم يستطيع سعد الغنايمي أن ينجر الكرسي في الموعد المحدد فألغى الكيالي التزامه وأرجع ( الشاسيه ) دون أن يرسم عليها وألزم غنايمي بدفع قيمتها , وأصبح يردد طوال أشهر أمامه بأنه قد أضاع فرصة ذهبية كانت ستخلده إ لى الأبد , فيرد عليه غنايمي بأنه لم يستطيع أن يقدر الوقت إضافة إلى الوقت إضافة إلى أنه أجرى تعديلات بناء على طلبة , وراجع الكيالي نفسه فبادل إحدى لوحاته
( بائع اليانصيب ) بتمثال خشبي صغير الحجم من عمل سعد الذي علق اللوحة في محترفه وبقيت موجودة حتى مغادرتي حلب بشكل نهائي في عام 1977 وقد كان الكيالي حريصا على اقتناء أعمال لأصدقائه أن كان بدفع قيمتها أو بمبادلة عمل بعمل وأذكر أن مرسمه ضم أعمالا للفنانين عمر حمدي وعبد القادر بساطة ووحيد مغاربة وسعد يكن وتمثالا لعبد الرحمن مؤقت وأعمالا أخرى إضافة إلى لوحة مائية لي وهي ( من الأعماق ) التي كنت قد اشتركت بها في معرض حلب الأول للفنون الجميلة الذي أقيم في النصف الأول من عام 1974 .
وكما قلت كان مقهى القصر , المحطة الصباحية له بشكل أساسي , والسهر في أحدى النوادي الليلية إلى وقت متأخر هو المحطة الأخيرة , وبعد التعرف على الغنايمي أصبح محترفه المحطة المسائية قبل الانطلاق إلى مكان آخر , ولم تمر فترة طويلة حتى أصبح محترف أبي عماد مقصداً لنخبة الفنانين والأدباء في حلب ( إسماعيل حسني , محي الدين لاذقاني , وحيد استانبولي , نبيه قطاية , لؤي فؤاد الأسعد , وغيرهم ) إضافة إلى عدد من الفنانين الشباب والقادمين إلى حلب من الباحثين عن لقاء الكيالي زملاء ومقتنين لأعماله , وبدأ الغنايمي يرسم من جديد بأسلوب فطري جميل ساذج مستعيداً ذكريات دراسته في مركز الفنون التشكيلية في الستينات , وأصبح محترفه المتواضع البسيط الذي كان يضم مسكنه أيضا شهيراً وكان عليه أن يقوم بواجبات الضيافة ومستلزماتها من جيبه الخاص وكانت تتمثل متعتنا الحقيقية في هذا الخيار في المقدرة على التألم بحرية بدون إعاقات أو رقابة على ما يجري في القلب وما يستلقي في الشرايين , نتحدث في الفن وعنه ونقيم المدرسة
( الفلانية ) والاتجاه ( العلاني ) وبات كل من فان غوغ وموديلياني ولوتريك ومايكل أنجلو جلساءنا الغائبين .. أصبح المكان منتدى فنيا حقا له أثره البالغ في تفعيل الحركة الفنية في حلب مما حدا بنبيه قطاية إلى القول : إن هناك مسافة قرن كامل بين هذا المكان وبضع أمتار خارجه وكان محقا في ذلك وشعرنا وكأن الكيالي أمام مرحلة حاسمة في حياته .
تحسنت الأحوال المادية للكيالي بعد معرضه في دمشق وسلسلة الأعمال التي أنجزها والتي كانت تباع فور عرضها في مقهى القصر وبالسعر الذي يحدده بل أن الطلبات انهالت عليه بالشراء المسبق وفكر في شراء مرسم والذي سيكون مسكناً له بالطبع ما دام عازباً بعد أن أقام في بيت عمته طويلاً وحصل بالفعل على مرسم قريب في مركز المدينة قرب البريد المركزي اشتراه بعد أن استدان من المصرف مبلغاً يساعد ه على تسديد قيمة الشقة كاملة ولكن تحدث مفاجآت عديدة تتعلق بجودة الإكساء ومتانة التنفيذ جعلته يخطط لبيع البيت وفي أقرب فرصة ومع ذلك فإن هذه الفترة تميزت برغبة هائلة في التجريب الفني لإعطاء حلول تشكيلية جديدة وكما سنحلل في حينه .
وقائع عام 1975
لقد انحسر نشاط الكيالي الفني ولكنه حافظ على سويته الفنية الممتازة ، بل طور جوانب بدأها في نهاية العام الماضي حينما مر بمرحلة أشبه ما تكون بغليان البركان إذ كان يرسم بعنف وقوة يجرب ويحاول الاكتشاف طارقاً أبواب الفن المغلقة ، وكانت هذه التجارب رائعة حقاً وتوضحت معالم التجربة ( بالاستفادة من التجريد ) على حد قول الكيالي وإدخاله كعنصر متمم في أرضية اللوحة كما في لوحات ( الأزهار ) ولكن حتى في الأعمال التي نوهت عنها كان على أبواب مرحلة بنائية جديدة يلغي فيها التأطير المحكم وتحديد الأشكال بخط صارم . وترك التكوينات مفتوحة لكافة الخيارات الفنية . ولكن هذه التجارب باستثناء الابتعاد عن الخشب المضغوط ولم تستمر كما كان ولعبت العوامل الشخصية دورا كبيراً في تبطيئ وتيرة التسارع الذي كان حاصلاً ولذا نقول بأن السمة البارزة لتشكيله كانت تكمن في تعميق تجاريه المعتادة .
لقد انحسرت فعاليته الفنية حقاً ، وإن قدم معرضاً فنياً ناجحاً في غاليري وان في بيروت ، ولكن اقتصرت مشاركته في المعرض السنوي للفنانين التشكيلين الذي تقيمه وزارة الثقافة بلوحة ( منظر ) التي لم تستوقف النقاد إلا قليلاً ولم تبهر عشاق فنه ومحبيه الذين يتوقعون منه دائماً ما هو متميز ومؤثر ولكنه استدرك الأمر بمشاركة فعالة في المعرض المتجول في عدد من الدول الاشتراكية والذي بدأ في نهايات العام وتمثل هذا الاشتراك بلوحة من تجاربه الجديدة ( مراكب ) ولوحة أخرى بعنوان ( زهور ) ولكن المشاركة في الفعاليات شيء وممارسته لفنه أمر آخر إذ شهد هذا العام بدايات مرحلة بدأت مع نهايات العام وتوضحت بشكل كامل في العام التالي وهو اقتحامه لعالم الشطآن والقوارب .. ولسباب انحسار نشاطه الفني :
لقد كان عام 1975 عاماً اختلطت فيه أوراق لؤي كيالي كلها ، مما جعله يقدم على خطوات متسرعة لم يدرس نتائجها جيداً ، وتعود أسباب ذلك إلى جملة من الوقائع الحياتية الخاصة ، فهو قد ترك بيت عمته ليعيش في مرسمه وحيداً ، وسافر الفنان تاتاري إلى إيطاليا تبعه الفنان وحيد مغاربه وغادر الشاعر محي الدين لاذقاني إلى الخليج والفنان سعيد حسني إلى الجزائر الفنان محمد عساني إلى اليمن والفنان رولان خوري أيضاً إلى إيطاليا وتوفي أسعد المدرس في الجزائر خنقاً بالغز واستقر كل من الفنانين عبد القادر بساطة وسعد يكن في دمشق لأداء خدمتهما الإلزامية والتحقت بدوري إلى بالجندية فور انتهائي من دراستي الهندسية وأقمت في حمص لأشهر قبل أن أنتقل إلى حلب مجدداً وإذا ما تأملنا الأسماء بمجموعها لوجدنا أن الساحة التشكيلية قد فرغت إلى حد كبير من المساهمين في تفعيلها وتنشيطها ولم يبق الإعداد محدود من النشطاء ويأتي لؤي بالطبع في مقدمتهم ، ولفهم أعماق ليوميات المرحلة لا بد أن انوه برغبة لؤي الكبيرة في إقامة معرض خاص له في روما ولكن الآمال سرعان ما تلاشت بعد وفاة صاحبة الغاليري التي راسلها وأتى الجواب بعد أشهر من الانتظار وضمن مغلف كبير محكم استلمه الكيالي على عنوانه في مقهى القصر ليقرأ بدهشة وذهول وليمزقه بعد ذلك قطعة قطعة ، وليطلب فنجان قهوة ، وبعد إلحاحي الشديد أعلمني بمضمونها ( وفاة مديرة الصالة ) والتي كانت ترتبط بعلاقة حميمة معه حيث لم تنقطع الرسائل بينهما أبداً وإن كانت على فترات متباعدة ولم يعر الكيالي أي أهمية لعرض الصالة مجدداً بأنها مستعدة للتعاون معه لإقامة معرض له في العاصمة الايطالية .
وأمام غياب الفنانين والكتاب الذين كانوا من أقرب الناس إليه ولأنه لا يوجد فراغ إلا ويملأ ، دخل دائرة لؤي جلساء جدد من غير الذين اعتادهم الكيالي ولا علاقة لهم بالفن بتاتاً ، بل لا علاقة لهم بالهم الثقافي وليس كلامي انتقاداً بل توصيفاً لحالة لا تنتقض من حضورهم الإنساني إذ تعرف الكيالي على معظمهم إما في حانات ليلية أو من خلال علاقة الغنايمي بأناس من مهنته في صناعة الموبيليا وقد كانوا في أغلبهم ميسورين ومهذبين وهادئين ولكن بعضهم لم يكن يتفوه في عدة جلسات بكلمة واحدة ولا أعتقد بأن أفكار لؤي كانت مفهومة من قبلهم ولكنهم كانوا يعرفون أن الكيالي فنان لا يجارى ولذا عومل باحترام بالغ وكانوا يعرفون أيضاً بأنه حساس فعومل بحذر شديد وفي الوقت نفسه لم يكن منطقياً أن يلزم الكيالي محترف أبي عماد إلى الأبد ليسمع من ( صديقه ) كلمات إعجاب يكررها باستمرار أو يلمس مواقف ينتقده عليها ليتقبلها الآخر بطيب خاطر كي لا يجرح مشاعر الكيالي وإن كان الأمر لا يعدو إلا دفاعاً عن الذات . فباع بيته إلى المصور الأرمني المعروف ( هاروت ) الذي كان صديق الكتاب والفنانين وكان محترفه يقع بين تقاطع شارعي بارون والقوتلي ، وشد الكيالي رحاله بسرعة عجيبة إلى رومــا .
قضى الكيالي أيامه الأولى في رومـا بضيافة الفنان السورية عبد الرحيم تاتاري الذي كان ساعده يوماً ويخبرني بدوره أثناء زيارتي إلى روما شهر كانون الثاني من عـام 1985، والثلوج على غير عادتها غطت شوارعها لتربك أجهزة الدولة ومؤسساتها وآلياتها ولتغلق المدارس وتشل حركة الحياة ليخبرني وأنا بضيافته في مقهى ( روزاتي ) الشهير الملاصق لساحة الشعب : هنا كان يجلس الكيالي ليشرب القهوة وهناك جلس أنطوني كوين مرة وعلى تلك الطاولة اعتادت صوفيا لورين الجلوس ، ويضيف تاتاري :
لأن روما تغيرت جداً ، وقد لمس لؤي ذلك إذ أناه لم تعد روما نهاية الخمسينيات والنصف الأول من الستينات ، فقد بحث عن أصدقائه ومعارفه القدامى فلم يجدهم ، ويبحث عن أمكنة له فيها وقائع وذكريات فلم تعد موجودة ، وأصبح الفن فيها حلبة صراع حقيقي لا يمكن تحقيق نجاح فيه إلا بعمل دءوب وبصعوبة بالغة ، والكيالي بالرغم من صيده الفني وإمكاناته الفذة كان عليه أن يبدأ من البداية وكان يحتاج إلى وقت طويل ليحقق حضوراً وما كان بإمكانه ذلك ، فاصطدم بالواقع الجديد وما كان عليه إلا الرجوع إلى سوريا ليكمل مسيرته ، فقلت لتاتاري أنني أعرف كل ما قلته لأن لؤياً أخبرني بتفاصيل هذا الموضوع بعد عودته وكيف عبر عن استيائه ومرارته من روما التي تحولت في جوانب من فنها إلى ما يشبه المهزلة وساحتها إلى حلبه لثيران الفن .
لم ينتظر الكيالي طويلاً ليعود إلى حلب وبدأ فور وصوله البحث عن مرسم جديد فوجده في حي السبيل الراقي وقرب حديقتها الشهيرة حيث محترف الفنان وحيد استانبولي . كان المرسم الجديد رائعاً يقع على سطح أحد المباني مع إطلالة جميلة وفسحة كافية , قام الكيالي بنفسه على تهذيب توزيعاتها الداخلية ليلائم ذوقه ومزاجه مستفيداً وربما لأول مرة من دراسته الأكاديمية لفن الديكور .. وكان له أن يشعر بالراحة والهدوء بعد أن وفر ما يستلزم لعطاء جاد وإذا كان واضحاً بأنه لم يحمل معه أية ذكريات طيبة من روما فإن الزيارة تركت تأثيراً بالغاً في أعماله اللاحقة , إذ تطرق إلى مواضيع لم يكن قد طرحها منذ فترة بعيدة لاسيما موضوع القوارب الذي حمل إليه يوماً أول وأهم جائزة حصل عليها في روما أثناء دراسته ( لوحة مراكب ) ومن جانب آخر فان الزيارة لم تترك في نفسه أي جانب إحباطي يذكر بل وجدنا أنه بات يمتلك رغبة عارمة على تجديد حياته وتكييف أوضاعه مع الظروف ل عودته وكيف عبر عن استيائه ومرارته من روما التي تحولت في جوانب من فنها إلى ما يشبه المهزلة وساحتها إلى حلبة لثيران لاسيما وأنه كان قادراً على ذلك وأنتبه إلى أهمية التوثيق وأرشفة أعماله وما يكتب عنه , ربما كرد فعل على ما لمسه في روما أثناء ارتياده لصالات العرض للاستطلاع , وقد كانت العملية متعبة ساهمنا فيها سوية والفنان عبد القادر بساطة إلى أن استطعنا استكمال ما يمكن استكماله ضمن ألبومات خاصة ومن المفيد أن أنوه هنا أن الكيالي وإن مزق أعمال معرض في سبيل القضية وأرشيفه الصحفي الذي جمعه لسنوات طويلة فإنه أبقى على مجموعات هامة من صور لوحاته وصوره الشخصية أهداني قسماً منها وقد كتب بخط يده خلفها منها صور لبعض أعماله الأكاديمية وأخرى تعود إلى فترة الستينات وفي هذه المكاشفة توضيح لما يكتب هنا وهناك على خلاف ذلك , ولاشك أن الكيالي قد وثق مقتنيات أعماله وأسماء مقتنيها وربما عناوينهم إذا أعتقد الكيالي اليوم, إضافة إلى أنه كان حريصاً كل الحرص على الحرص على توثيق أعماله فوتوغرفياً ربما منذ عام 1973 . لقد قام الكيالي في النصف الثاني من هذا العام بزيارات عديدة إلى الساحل السوري ورأس البسيط تارة برفقة الفنان سعد غنايمي ولأيام عديدة وصار يرسم تحت الشمس الملتهبة وبحماس شديد ولمدة تزيد عن ثماني ساعات يومياً, فالتهبت يده اليسرى فاضطر إلى الرجوع إلى حلب مستقدماً عدداً كافياً من الكروكيات واللوحات وتارة أخرى مع الفنان عبد القادر بساطة والكاتبة ناديا نصار إلى طرطوس وأرواد وأماكن أخرى من الساحل السوري راسماً قوارب ومرممي شباك .. مواضيع المرحلة الأبرز .
لقد قلنا أن الكيالي قد حافظ على سوية فنية جيدة , بل قدم حلولاً تشكيلية جديدة لإبداعه الفني مما لا نرى له مثيلاً في معظم إنتاجه ولكننا بدأنا نلمس مقدمات تؤدي إلى نتائج قد تؤثر سلبيا على إنتاجه وأخص بالذكر السهر اليومي والضغط الذي مارسه عشاق لوحاته القادرون على الاقتناء وقد مر الكيالي بفترة ركود بالفعل خلال هذا العام ولكنه وكما كان يقول ( إن الفنان كالمحارب بحاجة إلى فترة استراحة ) وكان محقاً في ذلك إذ لم يأت الربع الأخير من العام إلا وأظهر نشاطاً محموماً بعد زياراته المتعددة إلى الساحل السوري وكما ذكرنا في شهر آب وأيلول وبدايات تشرين الأول , هذا النشاط الذي كان كافيا لإقامة أكثر من معرض في فترة مبكرة من العام التالي .
الكيالي تشكيلياً
1973 -1975
إن الحديث عن مراحل فن الكيالي يهدف إلى تبسيط فنه وجعلنا قادرين على فهمه , إذ أن إنتاج أي مرحلة يأخذ من سابقه وقديمه , بقدر ما يقدم لجديده ومرحلته التالية , ولذا يمكن اعتبار فنه سلسلة مستقرة ومتوازنة ضمن رؤية شاملة أساسها الواقعية التعبيرية . وإذا تخيل هذا الإنتاج تجارب عنيفة تارة أو مال إلى التجريبية بقوة فإنه سرعان ما يعود إلى أسلوبه ومواضيعه التي تطورت ببطء ولكن باستمرار ية دائمة وانطلاقا من فهمنا لإنتاجه بهذه الطريقة سنقوم بتحليل هذه المرحلة الذهبية في فنه لقد رسم الكيالي في عام ( 1972 ) مجموعة كبيرة من الرسوم السريعة ( كروكي ) , بدأ تنفيذها بالألوان عام ( 1973 ) مع ملاحظة واضحة بأن آثار السنوات الماضية , ما بعد عام ( 1967 ) , قد بدأت تتلاشى منسحبة بعيداً .
إن الأشخاص الذين رسمهم في الأعوام الماضية , كانوا يحملون صفات معنوية تعبر عن حالات إنسانية عامة إن صح هذا التعبير , لكن أشخاص عام 1973 وما بعده كانوا يمثلون ( صغار الكسبة ) على الأغلب , ويمارسون مهنة محددة , ( مرمم شباك الصيد , بائع المسكة , بائع الجوارب , عازف الكمان , الكناس ) وبالإضافة للزهور وأشخاص في حالات وجدانية معينة ( جالسة وفي المقهى ) يعانون من القلق والانتظار . ونظرا لأن هذه اللوحات نفذت من رسوم تخطيطية مستمدة من الواقع , فهي تخضع تشكيليا إلى معطيات وقوف الموديل مع خلفية واسعة , وبلون واحد كبعد ثاني وقد بات الخط المغلف للكتلة يأخذ طابعا نحتيا بتشكيل متين , ويعبر عن الحجم وعلاقته بالفراغ , ولا بد من ملاحظة تفكيره المنطقي في صناعة التوازن , عن طريق خلق نوع من الاستقرار بين الخطوط الموجبة والسالبة , أي بين المستقيمات و المنحنيات , الذي تفرضه حركة الفراغ التي يتحرك من خلالها الموديل ,ولا يفرضه البحث التشكيلي . وإن اهتمام لؤي قد انصب على التفاصيل الجزئية والتي لا ضرورة لها أحيانا , وإنما أقدم عليها نتيجة التركيز على الملامح , ومحاولة استيفاء الموضوع لشروطه الواقعية , كالاهتمام بتفاصيل الشعر أو عضلات العنق , أو ألبسة الأشخاص , أو أوراق الزهور , وإن معظم النماذج المرسومة تخضع لتكوين مثلثي , ليصبح الخط الشاقولي في ثلث اللوحة , مع عدم الاهتمام بالإضاءة ,مع استثناءات كما في لوحة ( عازف الكمان ) التي نرى فيها تركيزا ضوئيا على اليد والوجه .
إن لوحة عازف الكمان التي رسمها في حزيران عام 1973 مستمدة من كروكي نفذه في عام 1972 اعتمد فيها الكيالي على الاختزال التشريحي بعد أن أعطى لمسة حزينة للوجه بملامح لسن أكبر
( يمكن مقارنة الكروكي مع اللوحة الزيتية ) وحور في الأيادي أكثر لاسيما الأنامل للوصول إلى أقصى حالة تعبيرية تتآخى فيها الأصابع مع حركة الوجه وبالتالي الاندماج الذي يتطلبه العزف ولجأ إلى تقنية جديدة بترك مساحات كاملة لم يستعمل فيها اللون ليتلاشى خطه المعهود مع الشكل وليعطي في الأخير لوناً أخضر صريحاً في الخلفية .
ولكن تبقى أهم النقاط التشكيلية في إنتاج عام ( 1973 ) والمرحلة اللاحقة في عام ( 1974 ), هي لجوء ( لؤي ) إلى الخشب المضغوط للرسم عليه , وباقتصاد لوني واضح , وإن اقتحامه لهذا المجال , لم يكن سهلاً أولاً ولم يكن اعتباطيا أو وليد الصدفة ثانيا بل كان محاولة للتغيير , أو للتطوير للوصول إلى معادلات تشكيلية جديدة أساسها توظيف ملمس الخشب( Texture ) في إعطاء تأثيرات فسيفسائية , تتباين تناغماتها البصرية , وتخلق نوعا من الحركة عبر التقنية الجاهزة , ولهذا لجأ إلى تمديد اللون وجعله شفافا ليظهر هذه الانعكاسات وباعتقادي أنه نجح في ذلك في فترة لاحقة عام ( 1973 ) .
ولو تأملنا لوحات تلك المرحلة لوجدنا الكيالي يجابه محاولة التوفيق بين تراجيديا هادفة وجمالية شكلية , ولهذا أسبابه الواضحة منها خلق هيمنة جمالية شكلية على مواضيع إنسانية حسية مؤثرة ليست مرغوبة في حقيقتها أو ما يمكن اختصاره بالحزن الجميل إذ أنه استوعب أن الحزن يأخذ بعدا مؤثرا أكثر إذا ارتبط بجمالية النموذج ( ارتباط المأساة بالجمال كما في لوحات عدد من فناني القرن السادس والسابع عشر ).
والنقطة الثابتة التي يطرحها بعد استخدام الخشب المضغوط هي تحويره للأيدي والأقدام , والذي لا الذي لا يمكن إرجاعه إلى ضعف في المرسم , ولكن هذا التحوير يأخذ طابعا تحطيميا للتشريح
(Distortion ) يصل إلى حد القبح الجمالي في بنائه كما في لوحته ( في المقهى ) , وخاصة في اليد اليسرى التي تتطاول الأصابع فيها , بطريقة عجيبة كأنها تحاول الانعتاق من جذورها ,وينسب هذا الكلام على المنظور الشكلي للطاولة , حيث نجد نقطة الفرار تحت خط النظر مع أن منظور الطاولة من الأعلى , وهذا ينطبق على صحن فنجان القهوة , والعناصر الأخرى في اللوحة , وقد يكون التحليل النفسي مجديا في هذه الحالة , ولكن هذا التحليل لن يخرج إطلاقا عن الحالة العامة المعروفة من قبلنا جميعا والتي مر بها خلال السنوات الماضية .
إن شخوص لؤي الكيالي في هذه المرحلة يعانون من حالة داخلية أشبه ما تكون بانتظار يائس مشوب بضياع داخلي يقترب من البؤس , ولكنهم منسجمون مع حالاتهم ( لوحات : بائع المسكة , امرأة جالسة , في المقهى , عازف الكمان , مرمم شباك الصيد , مستلقية ...وكلها من إنتاج عام 1973 ) ويظهر ذلك أيضاً في رسم ( زهور عباد الشمس ) ومعظم زهور تلك المرحلة التي يستخدم فيها القطع الفوتوغرافي من الأسفل , وبدون رسم الآنية , بينما يوزع الأزهار في اللوحة ضمن محيط الكتلة الأساسية , لكنه يبعثر الأوراق بتشكيل عفوي واضح .
ولا يستخدم إلا لونين فقط ( الأخضر بدرجاته المختلفة – التونات – والبرتقالي ضمن درجتين فقط ) مع التركيز الواضح على الخط الذي يتركه مرتجاً مع اهتمام مفرط بالطابع والوحدة مما يضفي على هذه الأعمال قيما جمالية خاصة تبرزها نشارة الخشب المضغوط , ولا يصر لؤي على إظهار العمق , بل يلجأ إلى لغة التسطيح مراعاة أكثر للمستوى الشاقولي ( كما في لوحته أزهار 1973 ) التي نجده فيها يوزع الزهور البيضاء في البعد الأول , ويحملها درجة إضاءة أكبر , ويحذف الإضاءة عن الزهور والأوراق في البعد الثاني وهكذا يبقى البعد الأخير , مساحة واحدة يقترب بدرجات إضاءته ( تونات ) من عناصر البعد الثاني المذكور .
ومع عام (1974 ) , نلاحظ قوة الاستقرار الحقيقي للخط , والتركيز الواعي على الكتلة وإضفاء الحيوية على اللون والاقتراب من اللغة النحتية في تجسيد المفردات واللجوء إلى التكوينات الصعبة , والحركة من خلال حالة التجميد الموفق للقطة , ويرجع هنا أيضاً إلى التركيز على التفاصيل , وربما لايتم هذا إلا في لوحات معينة , ويقدم بعدم بعض الأعمال الرائعة في معرضه بدمشق في حزيران (1974 ) في أول معرض ينظمه في سورية بعد عدوان حزيران . لقد اختار الكيالي عناوين لوحاته بدقة لتشمل مواضيعه المفضلة , الأمومة من خلال لوحتيه ( المرضعة والحبلى ) والبعد الوطني من خلال لوحته ( من تحت الأنقاص ) ويومياته الجديدة بل لياليه من خلال لوحة (عازف العود ) ... لكنه وفي الوقت ذاته قدم نفسه تقنيا , لا يتمتع بالبراعة فحسب بل وبالاكتشاف أيضاً , وكان الخشب المضغوط ( السوري ) الذي رسم عليه الكيالي مفاجأة إنتاجه , إذ لم يكن قد التفت إليه أحد من قبل لصعوبة معالجته وقد تعثر الكيالي نفسه في البداية ولكنه استمر ليعطي حلاً تقنياً وتشكيلياً متفرداً وكأسلوب عمل اعتمد بعنف على الفحم لتحديد تشكيلاته وظلالها ولجأ إلى لون جديد هو الأبيض الصريح فوزعه بشاعرية في ثنايا ألوانه المفضلة , الأزرق الكوبالت والأوكر والأحمر وابتعد عن التدرج اللوني لإعطاء البعد الثالث وأسند المهمة إلى الخط وحده . ومن هنا أمكننا القول وقتئذ أن لؤياً تجاوز مرحلة تبسيط الشكل إلى تبسيط اللون نفسه بعد أن تجاوز بخطه حدود الدقة والتحكم إلى آفاق الخط المشبع بالتعاطف الإنساني .
ولا شك في أن لوحة ( أمام باب المقهى ) التي عرضها في هذا المعرض تأتي في مقدمة أعماله حيث يلجأ إلى خلق مشاكل فنية , ومن ثم يبدأ بحلها , وربما كانت الغاية من ذلك بعداً معنوياً بالدرجة الأولى , ولكن النتائج التشكيلية لا تضاهي , إذ بينما يركز بائع اليانصيب الكسيح على الطرف الأيمن للوحة وهو المفردة الوحيدة , يوازن ذلك بمساحة صفراء قوية في سطح البعد الثاني وبلغة نقدية نستطيع القول بأنه يلجأ إلى توازن بين الكتلة الكبيرة باللون المشع القوي , وليس هذا شيئاً سهلاً على أي فنان ولو حللنا العمل لوجدنا أن التكوين المثلثي الذي يعتمد عليه مبنى على أسس تصميمية معمارية قوية للغاية فلو أخذنا الخط الذي يصل طرف الرأس مع الساعد ومددناه , أي الخط الذي يحد الكتلة من أعلى اليمين إلى أقصى أسفل اليسار , وأخذنا الخط الذي يبدأ من أسفل الكتلة اليسرى ومددناه أيضاً بحيث يحدد طرف الكتلة من أسفل اليسار وملامساً اليد عند التقاء الخطين إذ مددنا خطاً أفقياً وآخر شاقولياً لوجدنا بأن الزوايا المتجاورة , يميناً ويساراً , في الأعلى والأسفل متساوية تماماً وإذا أخذنا الخطوط المحددة للكتل الخارجية من الأسفل لوجدنا بأنها تلتقي في نقطة واحدة . وأن الخط الأفقي المار منه يصنع مسافتين متساويتين تماماً مع الخط الأفقي الأول أي أن (1-2 ) تساوي (2-3 ) كما نرى في الشكل المرافق .
أما من الناحية التشريحية , فهو يحقق معادلة صعبة للغاية , الابتسامة على الشفتين , وحزن هائل على الوجه , دون اللجوء إلى تقويس الحواجب , بل يستغني عن رسم الحاجبين على الإطلاق وهنا لا نستغرب قوله : بأن مع لوحة .. ثم ماذا ؟ تبقى لوحة أمام باب المقهى من أفضل أعمالي ... ويضيف قائلاً : هذا الطفل الكسيح الذي يعمل هو إدانة .. لكل من يرتاد مقهى القصر ولا يعمل ..ويمكن أن يقال هذا على لوحاته الأخرى ( حبلى – بائع المسكة – إلى السوق – الشقيقتان – معلولا) . لقد بات مستجمعاً قواه وهو في أحسن حالاته , وبات توظيف الخشب المضغوط يتوضع كمادة ممتازة للغاية , ففي لوحة ( الشقيقتان ) يلعب اللون الأحمر لعبته المدهشة , ويبدأ التشريح الدقيق يأخذ أبعد حالاته , ودلالاته التعبيرية والإنسانية , ونرى ذلك في اليد المسترخية من الشقيقة على اليمين على كتف الشقيقة الأخرى ونجد الحنان النادر , بينما تبدو الكتلة النحتية الصارمة في أسفل اللوحة وهي تخلق نوعاً من التضاد الإيجابي , مع زهور تستلقي بدلال على يديها .
ولا شك أن ( لؤي الكيالي ) قد تعمد ذلك , لإيصال العمل إلى منتهى الشفافية والصفاء الإنساني , ويمثل هذا الموضوع سابقة لا مثيل لها في إنتاجه من حيث الموضوع على الأقل .
إن ( لؤي ) يسترجع في هذه المرحلة ذاكرته , فيرجع إلى أعماله التي رسمها قبل عام (1966 ) ليعيد رسمها بصياغات جديدة تعكس واقعاً أكثر تلاؤماً مع الحقيقة ونذكر لوحتيه (حبلى ) و (تحت الأنقاض ) . ولنأخذ اللوحة الأخيرة وإعطائها مزيداً من التحليل .
يعود إنتاج اللوحة إلى عام 1974 وهي اللوحة الوحيدة التي رسمها بشكل مباشر من وحي قصف الطيران الإسرائيلي لأحد الأحياء السكنية الآمنة في دمشق أثناء حرب تشرين التحريرية (1973 ) بينما كان التأثير غير مباشر في الأعمال الأخرى حينما انتقلت نماذجه من حالة إحباط إلى حالة ثقة ورجع إلى رسم الزهور ...الخ .
تمثل اللوحة أماً وقد انتشلت طفلها من تحت الأنقاض وهو بين الحياة والموت وفي أجواء يتملكها الرعب والسخط في آن واحد , ولجأ الكيالي إلى الخلفية الغامقة , بل واستعمال اللون الأسود بكثافة وبشكل استثنائي لا نجد له نظيراً في إنتاج هذه المرحلة , ولجأ إلى اللون الأحمر في رداء الطفل لموجبات رمزية واضحة , وأكد بعنف على الخط كما هو مألوف عنده ولكن جاء هنا مؤكداً على المضمون الدرامي للعمل بدليل كثافة الخطوط وتوضع الأيادي والأقدام ضمن خطين أفقيين حصرها بينهما إضافة إلى رأس الطفل نفسه .
إن ما يدعو إلى الاستغراب , هو لجوء الكيالي إلى لوحاته القديمة من إنتاج عام 1967 لاستنباط موضوع في عام 1974 وأقصد بها لوحة ( كما حدث في الجزائر ) التي رسمها وقتئذ وبالطبع هناك إضافات وهناك حذف وهناك إعادة صياغة وبدرجة أقل إعادة تكوين وتصميم , فلؤي في اللوحة الجديدة لا يعتمد على تحوير الشكل للتعبير عن الموضوع بل نجد في اللوحة لغة واقعية أكثر ودون أن تفقد شحناتها التعبيرية ويغير في اتجاه رأس الطفل ويجعله مائلاً أكثر ويلغي ربطة رأس الأم
( ربما الجريحة ) ويحافظ تماماً على توضع الأيادي والأقدام والإبقاء على نصف العري للطفل .
إن المحاكمة النقدية هنا تكمن أساساً في موجبات العودة إلى لوحة قديمة لاستنباط موضوع عايشه للتو وبكل أعماقه وجوارحه وهو يوميات حرب تشرين ونتائجها وكان بإمكاني أن أفسر الأمر بحالته البسيطة وهو أن لؤياً لم يشاهد القصف ، بل سمعه من المذياع لم يكن يتابع التلفزة أبداً في تلك الفترة وكل ما شاهدنا عينياً وقتها ونحن في المقهى السياحي نتابع أخبار الحرب هو مرور طائرة حربية إسرائيلية فوق حلب بسرعة كبيرة كان هدفها على ما يبدو زرع الرعب وخفض المعنويات النفسية التي كانت عالية جداً وبقيت كذلك .
إن هذه الحالة تثير تساؤلات حول موضوع الخيال عند الفنان بصفته فناناً واقعياً ويعتمد على مواضيع مستمدة من الواقع , والأمر الذي يدعونا إلى الاستنتاج بوجود إرباك فعلي . ولست أساير
( فرويد ) هنا حينما توقف أمام كلمة ( الساعة الرابعة ) التي ذكرت مرتين في نص ليونار دودافنشي الذي يتعلق بتوقيت وفاة والده , هذا النص الذي لم يتجاوز بضع أسطر بل أود أن أحدد وأقول بأن الكيالي قد بات متردداً للغاية أمام الاعتماد على الرسم من الذاكرة , هل لوجود إخفاق أو عجز ؟ أنا لا أستطيع أن أنفي ذلك الآن وربما كنت سأنفيه يوم شاهدت اللوحة , لأن الكيالي بدأ يرجع بالفعل إلى لوحاته القديمة – وهذا مؤشر آخر بأنه كان يمتلك صور بعضها – ليعيد رسمها خاصة في اللوحات التركيبية الطابع , المشهدية الرؤيا , لاسيما اللوحة التي قدمها إلى المتحف الوطني بحلب عام 1977 وكما سنتحدث عنها في حينه , ولكن الكيالي كأي فنان كبير لا يحدد ( الاستثناء ) أبداً خريطة فنه , فإذا قلد نفسه هنا ,فإن انتقالا جوهرياً بات يحدث في فنه . في هذه المرحلة وذلك مع عام 1975 .
حينما رجع لؤي من روما وزار الساحل السوري وأحضر معه العديد من الرسوم الخطية عن القوارب وإذا كنا نجد في تجاربه السابقة . وحتى قبل أكثر من عشر سنوات , مواضيع بيئته تنتمي إلى جغرافية هذه المنطقة , فإننا نجد في القوارب موضوعاً جديداً , ضمن مساره , وعلى الأقل من خلال الرؤية التشكيلية , ولتوضيح ذلك لابد من الرجوع إلى فترة ما قبل الذهاب إلى روما عام (1975 ) . وبعد ثلاث سنوات من الاجتهاد الشديد , ( إذا اعتبرنا العطاء الغزير والسهر المتواصل إجهاداً ) حين بدأ الكيالي يفكر جدياً بالتوجه إلى أشكال ومضامين جديدة وخاصة بعد حصوله على المرسم الجديد قرب البريد المركزي في حلب, ولجأ إلى التجريب , وسنحاول توضيح ذلك في النقطتين التاليتين :
1 – الخروج من دائرة الخط الصريح الواضح المحدد للشكل بعنف , والانتقال إلى تصميم أكثر حرية , في تلامس المسطحات وتداخلها , ولهذا لجأ إلى التعبير العنيف من خلال اللون , وبانفعال الفنان التعبيري تحديداً ومن خلال ضربات فرشاة سريعة تحذف الفواصل بين المسطحات , كان لابد له من اختيار المواضيع التي تفسح له حرية عمل من هذا النوع , وطبعاً الطبيعة مجال واسع لا ينضب فانكب على دراسات لونيه للزهور ومشاهد الطبيعة مستعملاً ورق الكانسون والقماش الجاهز التأسيس وترك جانباً الخشب المضغوط .
2 – رد معاكس للنقطة الأولى واللجوء إلى هندسة صارمة وبمزج واضح للمسطحات السالبة
( المستقيمة الحواف المنفذة بالمسطرة ) والموجبة ( المنحنية ). وضمن تكوين مغلق ( البعد الأول واقعي ) والخلفية تقدم مجالاً واسعاً لممارسة تجارب التجريدات الهندسية بناء ولوناً , حتى أن لوحة ( أزهار برتقالية ) تبقى فيها المفردات (واجهة تماماً ) وبمفهوم الإسقاط المعماري للمخططات
(Frontal Elevation ) وإذا كنا نريد تحديد أهم ظاهرة في تلك المرحلة , فهي المقدرة الجيدة على التصميم , عن طريق تكوينات متطورة وتوزيع لوني مبهر , وخط متين متماسك , ونلاحظ وجود ردي فعل مختلفين تماماً , وتبريرهما واضح , إذ يرجع ذلك بشكل أساسي إلى محاولة البحث عن أشكال ومضامين جديدة وقد وجد ضالته بعد رجوعه من ( روما ) في القوارب التي تتطلب منا التأكيد عليه كنوع من النقلة الفنية من خلال الموضوع وكجزء من دراسات فنية لها أهمية خاصة ولكن لابد من التنويه أن موضوع القوارب وإن لم يكن جديداً في طرحه إذ حصل من خلال على إحدى الجوائز الهامة حينما كان يدرس في إيطاليا ( لوحة مراكب ) ولكن هذا الموضوع كان طاغيا في الفن الإيطالي حينما زار روما وقتئذ ( كارلنفهم وجيمي , سيراوالتر, رودولفو فيرجينيو- كوزي جيوفاني- ايلمو إضافة إلى الفنانين السوريين المقيمين في روما مصطفى يحيى وعبد الرحيم تاتاري ).
وعود على بدء ولكي نفهم فن هذه المرحلة بشكل شمولي علينا الرجوع إلى نقطة أخرى وهي أن لؤي استطاع تحديد موضوعاته واختيارها بدقة إلى درجة يمكننا من استيعاب نظرية في الفن .وهذه المواضيع بشكل عام هي – المقاهي الشعبية وماسحو الأحذية والباعة المتجولون الأمومة وأرواد
ومعلولا ورأس البسيط ومحتويات المرسم من طبيعة صامتة ومواضيع أخرى إضافة إلى النماذج الحية لأصدقائه , وأقربائه وخاصة...(عمته ) ومن المحيط الذي كان يعايشه. ويهمنا هنا (أرواد)التي ركز عليها إبتداءً من منتصف عام (1975 ) ونميز هنا أربع حالات تشكيلية :
1- أشخاص في البعد الأول بواقعية معهودة من قبله , وحيث البعد الثاني ( الخلفية )عبارة عن مساحة بلون واحد , لإظهار البعد الأول كما في لوحته (مرمم الشباك).
2- أشخاص في البعد الأول , مع التأكيد على واقعية الخلفية , التي تجسد عادة ( الشاطئ مع البحر) كما في لوحته (فتى من أرواد ).
3- قوارب ملقاة على الشاطئ , وقد حذف منها العنصر الإنساني وبشكل كامل كما في لوحته
( مراكب ).
4 – القيام بعمل تركيبي يقسم فيه العمل إلى قسمين أحدهما يمثل مشهداً لمراكب والآخر يمثل طفلاً أو رجلاً كما في لوحته ( بائع خبز وقارب ).
وهنا نود أن نؤكد على ناحية هامة وهي أن كل تحوير أو تبسيط نلاحظه , لا يتعارض ورغبته في المحافظة على البيئة , والتقاليد الاجتماعية , فلو تأملنا الأشخاص الذين يرسمهم لوجدنا أنهم ينتمون إلى تلك الدائرة الجغرافية وهذا ينطبق على القوارب المسومة وطريقة توضعها, وشكل ظلالها على الرمال كما تؤكد الصور التي تم تصويرها أثناء تواجد لؤي على الشاطئ السوري إضافة إلى المحافظة على نوعية الكراسي والشباك .وهو بذلك يلح على احترامه للواقع واستيعابه له وتفاعله معه ولكن ما هو الجديد في لوحات (القوارب ) من حيث الشكل والمضمون ؟ لقد أستطاع (لؤي كيالي ) التوصل إلى لعبة بصرية ممتازة موجودة في التصوير الفوتوغرافي أصلاً وذلك حين نلتقط صورة لنموذج يشع النور من خلفه , يظهر الموديل غامقاً , مع انبعاث ضوء قوي على الأطراف ويعتمد (لؤي) إلى إعطاء ظلال قوية لقوارب ملقاة على شطآن البحر , الإضاءة عمودية وقريبة من الموديل وكأن الشمس تطبق على الأشكال, واستخدام الخداع البصري لتحس بالضوء القوي المشع خلف الظلال, التي تمتد على المساحة المخفية , فراغ في فراغ وسكون في صمته يمزق الآذان . ولجأ إلى طريقة بسيطة لحل هذه الإشكالية وهي تمديد الأبيض حول الظل , والظل حدده بقوة , والأبيض يتلاشى عبر الأصفر الذي يحتل معظم فراغ اللوحة وبالرغم من لؤي يلجأ إلى الألوان الرئيسية (أحمر, أصفر , أزرق ) واشتقاقاتها فإنه يشعرنا بوجود دائرة لونية واسعة ويرجع السبب (ربما ) إلى مقدرته الجيدة في التجاور اللوني والتوزيع الذكي لمساحات بيضاء متفرقة . وليس اللون وحده هو سيد اللوحة, بل يأتي التصميم وبقوة في لوحاته , إذ يلجأ إلى التكوينات الصعبة , في محاولة خلق توازن بين الحجوم القلقة عبر المساحات الكبيرة كما هو الحال في لوحته ( قارب) حيث وضع قاربا وحيداً في أعلى الجزء الأيسر من اللوحة , مع ظلال غامقة دائرية إلى حد كبير , وتقليص مساحة السماء , واستخدام المنحني الصعب لخط الشاطئ , ورغم المساحة السفلية الفاتحة استطاع التوصل إلى التوازن المدهش القيم الجمالية المقنعة .
إن لؤي الكيالي قد أعطى خصوصية وكشفاً في الشكل , وأضاف إلى عطائه مضامين جديدة تعكس واقعاً جديداً ,هذا الواقع يتميز الشعور بالوحدة والغربة , ضمن احساس هام هو : البحث عن مخرج من نمطية الحياة التي كان يعيشها , والهروب إلى مساحات أكثر اطمئناناً, وهنا يبرز تساؤل آخر يطرح نفسه:
- كيف نستطيع تفسير استمراره في رسم تلك المواضيع عبر أكثر من عام خلال رسوم يحصل عليها خلال زيارة تستمر بضعة أيام , ولا يتأثر بواقع يعيشه خلال عام كامل ؟ إن الإجابة قد تفسر جوانب منحياته اليومية التي عاشها ولياليه المتعبة على وجه التحديد, فهو لا يريد أن يدخلها في لوحاته فنه (والاستثناء الوحيد هنا لوحة عازف العود)، بل يهرب من صور هذه الليالي في لحظة الحقيقة التي بالنسبة له هي لحظة الإبداع نفسها وتعتبر هذه الحالة إشكالية وليست توفيقية مع الذات ولابد أن تترافق مع إيجاد حلول تشكيلية تعتمد على المتانة والدقة والصرامة الفنية في البداية ولكن ذلك لن يستمر طويلاً وقد يأخذ الفن منحى آخر .
لقد رجع إلى رسم مواضيع سبق أن تعودنا عليها فرسم رأس البسيط كشكل من التغيير ، وكأنه قد أكتفى من استقراء المراكب والصيادين ضمن الإطار المألوف نفسه وبرزت العوامل التالية :
1- عودته إلى الوسامة والجمال الفيزيائي بقيمته المعروفة .
2- اللجوء إلى قلم الرصاص والفحم في التظليل وتغطيته بلون ممدد . ويعتبر ذلك من مؤشرات الرغبة في الاستعجال .
3- تحول الأشخاص نفسياً من حالات بائسة وحزينة إلى حالات أكثر فرحاً وأقل معاناة كلوحة المتأملة مثلاً والتي تميزت بجمالية رائعة .
4- ترك مادة الخشب المضغوط والرجوع إلى التقنية التقليدية .
لقد ترافقت تلك المرحلة مع غزارة في الإنتاج وسهر متواصل إلى حد الإدمان وطلب متزايد على شراء أعماله ولم يكن في واقع الأمر متاحاً له أن يرسم إلا في أوقات تعتبر غير كافية قياسياً لحجم إنتاجه وقتئذٍ ومن يعرف لؤي جيداً سيعرف بأنه لم يكن يرسم إلا في ضوء النهار .

هوامش النص :
( 1 ) – حول لجوئي إلى تسميته المرحلة بالذهبية . ( انظر سنوات طويلة مع الكيالي بقلم الكاتب – مجلة هنا دمشق 1/ 1/1979، مجلة الصباح في حوار مع الكاتب 22/ 8/1980 ، وجريدة اللواء اللبنانية في حوار مع الكاتب 5/ 6/1980 ، لؤي كيالي يدخل المكتبة العربية بقلم أكرم شريم حول الكتاب الذي كان منجزاً في حينه ، جريدة البعث 14/ 5/1980-جريدة الثورة أيار1980 .....الخ).
( 2 ) – كان لؤياً قد قرر الانسحاب من نقابة الفنون الجميلة ابتداءً من 1/ 1/1973 وذلك من خلال البرقية : بلا رقم تاريخ 26/ 12/1972 ولكنه تراجع في العام نفسه .
( 3-4 ) – من تصريح خطي للفنان سعد غنايمي إلى الكاتب .