International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي

Article Title : لؤي كيالي
Article Author : هناء الطيبي
Source : الملحق الثقافي الأسبوعي - العدد 7906
Publish Date : 1989-03-13


لؤي كيالي
عشرة أعوام مضت على رحيل الفنان الكبير لؤي كيالي و ما زال في البال ، لؤي ليس في البال فحسب ، بل يملك حضوره الحي بيننا حتى هذه اللحظة ، و حتى بعد أعوام طويلة ، طويلة ، و قادمة عبقه تشم أريجه في لوحات الكثيرين من الفنانين الذين يبد أن أو الذين يواصلون رحلتهم ، و من النادر أن تجد فنانا طاغيا بمثل هذا الشكل و بمثل هذا الحضور الكثيف و ما معرض تحية إلى لؤي في ذكراه العاشرة التي أقامته " دار أمية للفنون و الآداب " إلا إلمامة صغيرة إلى مسيرته العريضة جدا ..
الحضور الدائم !!
لؤي حين اختار أن لا يدرس أكاديميا الرسم بل اختار الزخرفة " التصميم الداخلي – الديكور " هل كان ذلك الاختيار احتجاجا على الطرائق الأكاديمية في تدريس فن الرسم ، أم كان منزعجا داخليا يملك جذوره في عمق لا وعيه ، إن من يتابع رحلة هذا الفنان الكبير لا بد إلا أن يلاحظ أن العناية البالغة في نظافة اللوحة كلون و في التدقيق على الخط و كثافته إنما ينبئ عن طاقة جمالية تنظر إلى الكون بحساب دقيق منظم و فن الديكور بأسمى صوره كما العمارة إن هو إلا تنظيم و ترتيب لما هو عشوائي أو لما هو مختلط هذه النزعة الداخلية المترفة و النزاعة بحب الجمال و تعميم هذا الحب على أوسع القطاعات يتناقض جذريا مع المرحلة الحياتية التي عاشها الفنان إن كان على المستوى الشخصي أو على المستوى الجماهيري الواسع كتلق و تقويم هذا الصراع كيف بدأ في إنتاج لؤي نحن إن لاحقنا اللوحات الشعبية كلوحات المقاهي و بياع اليانصيب و الكعك فسوف نجد هذه الازدواجية و قد تصالحت أحيانا أو تنافرت أحيانا أخرى ، فمن يرغب في أدلجة التشكيل و جعل اللوحة منبرا خطابيا أو بوقا دعائيا فسوف تفجعه هذه اللوحات فوجه الطفل الذي يبيع الكعك بريء و جميل فيه صحة و أناقة ، حتى التكوين العام للوحة بتوازنها و توزيع مساحاتها و بفرش اللون بدون تدريج و حصره ضمن خطوط واضحة كل ذلك لا يفجر القضية ، قضية الفقر و التشرد و بؤس من تناولهم لؤي ، إنما كما أرى و كلما تمعنت في النظر إلى لوحات لؤي ، أجد أن التناول ينبع من إحساس إنساني جمالي عام إنه لا ينظر إلى الواقع براهنيته ، إنما يرمي بأنظاره إلى عمق الآن ثم يستشرف الآتي ، فهذا الطفل الذي يتوه في أزمة المدينة الواسعة يبحث عن لقمته و لقمة أسرته ، هذه اللقمة الشحيحة لا تفجر يأسا في أعماق الفنان بقدر ما تفجر حنوا بالغا و محبة للطفولة فلا يخون ذلك الحب بتشريح مبالغ فيه ، و لا بتشويه يبتعد عن الجمال الذي يعشقه الفنان و الذي يكرس حياته بمجملها لهذه القضية بدون جعجعة أو أطناب خطابي إذ أن اللمسة الرقيقة الحنون أكثر ايجاعا في النفس من ملايين الخطب و العنف المباشر ، و الفنان الذي كان يعيش هذا الترف الداخلي و ذلك الشظف الخارجي إنما كان يعيش صراعا على المستوى الفردي الداخلي و على المستوى الخارجي الجماعي من تعامل و بث أفكار ، مما ولد وحدة موحشة في داخل الفنان و جعلته يبتعد في لحظات عن المحيط بالرغم من كثافة العلاقات و بالرغم من النجاح و بالرغم من الصراعات التي كان يعيشها في الوسط الفني و بالرغم من مسؤوليته التدريسية فإذا بتلك الوحدة تتفجر في لوحات عديدة كلوحة " المستلقية " مثلا حيث هذه المرأة المتعبة المكدودة لا يسحقها تكاثف المحيط بقدر ما يسحقها الفراغ إن من يدقق في نسب اللوحة سوف يعجب لهذا الضغط الفراغي الذي تمارسه طريقة التكوين فالفراغ العلوي بالرغم من حياديته إنما يبدو كسديم قاهر يضغط على الكائنات فلا يترك لها متنفسا و إن قفزنا إلى المرحلة الأخيرة التي جسدها قبل رحيله و إضافة إلى الجماليات اللونية المصطهجة من أزرق و أحمر و برتقالي " برتقالي مميز و خاص بلؤي " فلوحات القوارب إن كان القارب المفرد المرمي على شاطئ حيادي أو إن كان مجموعة قوارب ملتمة على بعضها و كأنها أطفال مذعورة في وجه محيط قاس بحب ، إنها الوحدة الداخلية عبرت عنها تلك الكائنات الصماء و نطقت بلسان الفنان لؤي في تعامله مع اللون و الخامة في مراحل عديدة فهو يتدرج على اللوحة " الخام " بألوان كثيفة صريحة تملك مساحاتها المنفصلة و الشاسعة و تحددها الخطوط و كأنها فسيفسائية معاصرة تنسف قواعد الفسيفساء التقليدية لتوجد قوانينها الجديدة و المحكمة و إن كان في رسمه على مادة الخشب " المعاكس " يميل إلى تشفيف اللون و ترقيقه لتنبض مادة الخشب بإيحاءاتها الفطرية و بجدليتها بنت الصدفة ، إنها تجربة عاشت لفترة معقولة مع الفنان و كانت لها نتائجها الباهرة و المفاجئة مع كل لوحة كما أن تلاحم الإنسان مع الأشياء جاء تلاحما حميميا ففي لوحاته عن المقاهي الشعبية و عن صانعي الشباك نجد أن كرسي المقهى مع الجالس عليه يشكلان وحدة لا منفصلة كما أن الشباك و المخرز و الكف المتعب و انحناءة الكتفين و شبه الاحدداب الذي يكون قوسا مع الشبك يوحي بعلاقة حميمة ما بين الإنسان و أشيائه ، و أكثر ما يثير العجب هذه الحميمية الذي ينبئ عن ارتباط بالمكان و التصاق بالشيء فإذا بالإنسان يصبح شيئا و كأنه مرهون لما صنع و إذا بالشيء ينبض بالإنسانية و كأنه قد امتلك روحا إذا لماذا هذه الوحدة المتفجرة في أعماق لؤي و التي أوردته حتفه الاختياري ، إن هذا الأمر بحاجة إلى دراسة نفسية أكثر تجذرا و أكثر عمقا و قد يأتي مجالها إن أتاحت لي الظروف الدخول أكثر إلى عوامل لؤي الذاتية و هو دخول صعب فحتى من عاشره عن قرب لم يستطع سبر غور هذا الصمت الرهيب الذي كان يغلف الفنان في أيامه و سنواته الأخيرة ، هذا الصمت الذي كان يزغرد أحيانا لا كلاميا بل عبر اللوحة التي وهبها لؤي كل مساحات روحه و وجوده و كيانه فلوحات " معلولا " بما تملك من جماليات متفردة و من خصوصية ما بين مئات اللوحات التي رسمت لمعلولا و على أعتاب معلولا هذه البلدة الفريدة بتكوينها المعماري و التاريخي و الألسني ، إنما نطقت بلسان لؤي فإذا هي عمارة متجانسة حنونة متضامنة و كأنها جموع جماهيرية تتقدم كتفا بكتف نحو المستقبل و بألوانها هي مزج و إشراق الم أقل أن لؤي كان يملك تناقضا ما بين داخله و خارجه و زهور لؤي تفصح أيضا عن هذه الوحدة و عن هذا الانتماء و عن هذا الإشراق فهي زهور فيها لمسة المتمكن من أدواته الفنية أكاديميا و أحيانا كما في لوحة " عباد الشمس " هي الفرادة و التميز و التوجه نحو منابع الضوء و مع ذلك فلؤي لا ينس ترفه الداخلي فإذا بتلك اللوحة كأنها قطعة من الدانتيلا الموشاة بالأزاهير و كأنها مهيئة لأن تكون " كلة عروس " و أخيرا نحن في هذا المقال لا نتابع رحلة لؤي بالكامل و لا نتابع حياته بالكامل إنما هي إرهاصات ولدتها المناسبة الحزينة إذ كان يمكننا أن نتحدث عن فن البورتريه و عن نساء لؤي و عن معرض القضية و عن رسومه بالأبيض و الأسود حديثا طويلا و لكنها ليست إلا إطلالة سريعة على عالم غني في ذكرى ما زالت تؤلم الروح و تنذرنا بأن هذا الرحيل الفجائعي لأبي حسين كان إنذارا لوحدة المبدع عبر المحيط يقاتل الإبداع فهل نعي هذا الإنذار ؟ و هل تراه فنانا في لحظاته الأخيرة حينما وجه إلينا هذا البيان الدموي كان يأمل أن نستيقظ و في أن نتعامل مع الفكر و الحس و الجمال بصيغ أخرى .