International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> الخط البياني التشكيلي في فن لؤي كيالي في مرحلة ( 1969 -1978 )

Article Title : الخط البياني التشكيلي في فن لؤي كيالي في مرحلة ( 1969 -1978 )
Article Author : صلاح الدين محمد
Source : مجلة الحياة التشكيلية - السنة الأولى -العدد الثاني
Publish Date : 1981-00-00


الخط البياني التشكيلي في فن لؤي كيالي في مرحلة ( 1969 -1978 )
بقلم صلاح الدين محمد
لؤي كيالي :
بصدور هذا العدد من المجلة , يمر عامان على وفاة الفنان ( لؤي كيالي ) , تزداد الحاجة إلى النظر بجدية إلى إنتاج هذا الفنان , وإعطائه ما يستحق من اهتمام وتقدير , ولا أعتقد هنا بأن التقدير يمكن أن يتم إلا من خلال البحث الجاد ,( والعلمي ) في أصول فنه ومعطياته التشكيلية , مروراً بمحاولة تأريخ دقيق لحياة هذا الفنان , وعبر لغته التشكيلية تحددا , لأن معظم الدراسات التي قدمت عنه حتى الآن – وهي كثيرة جداً – تناولت المأساة في حياته – محق من كتب عن ذلك الجانب نظرا للتراجيديا القاسية في حياته –ولكن أهمية الكيالي تأتي بالدرجة الأولى من خلال ما قدمه من إضافات فنية , ومن حلول تشكيلية , وصياغات جديدة ومضامين إنسانية , ولذا يبقى من الضروري اتخاذ جانب الحذر والدقة معا في تناول ما انعكس في فنه من مواقف حياتية متشابكة للغاية , ويجب إلا يثنى عزيمتنا في تبنى الحقيقة أية علائق عاطفية , لأن أي تزييف للتاريخ هو إجحاف بحق فنان أراد أن يسهم بفعالية في التاريخ الفني في هذه البقعة من العالم , وعلى طريقته الخاصة , وبأسلوبه الحياتي الخاص , وليس مستغرباً أن أقول بأنه رسم حياته كما يريد هو وبالطريقة التي كان يرسم بها لوحاته وبالدقة نفسها وأنهى اللمسات الأخيرة لحياته بالطريقة التي كان ينهي بها لوحاته , وضمن أي مخطط بياني لفنه سيجد المراقب الفني, وبشكل واضح , مدى توافق هذا الفن مع حياته التي لا يمكن فصلها بالضرورة عن التغيرات والتطورات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية أيضاً .
لم يعمر (لؤي كيالي ) وهو في هذا ليس استثناءا تاريخيا , بل الاستثناء هو أن يعيش حساس من وزن الكيالي طويلا, ولم يكن يحتاج إلى عمر طويل ليحقق ما حققه , وكان عليه أن يعرف فعلا متى يجب على الفنان أن ينهي اللوحة , أن لحظة إنهاء اللوحة عند الفنان لحظة حاسمة , وهي تلك اللحظة التي يشعر الفنان خلالها بأن اللوحة لم تعد بحاجة إلى أية لمسة إضافية , أن اللمسات القادمة لن تكون إلا عبثا وتشويها إلى الصورة التي اكتملت صورتها تماما عندما سحب ( سيزان ) الورقة من بين يدي ذلك الفنان الشباب الذي كان يرسمه قائلاً له :( لقد انتهت اللوحة , وما هذه الإضافات إلا هراء وعبث , أن الفنان الحقيقي هو الذي يعرف متى تنتهي مهمته في لوحته )) وهكذا تبقى حياة الفنان لوحته الأخيرة يرسمها ويلونها بدلال بصخب بحرمان أو عنف , ولكن لها في الأخير نهاية , وتحديد النهاية هو الخيار الصعب والمستحيل , ورغم كل هذا عمر فناننا أكثر من موديلياني (36 عاماً ) وفرانز مارك (36 عاما)
وفان غوغ (37 عاما ) وتولوزتريك (37 عاما) وغراي (40 عاما) ودي ستايل (41 عاما) وبولوك (44 عاما ), لقد ولد الكيالي في 21 – 1 -1934 وتوفي في 26 – 12 -1978 أي أقفل حياته بعد أن عاش قرابة (45 ) عاما .
وموضوع بحثنا هنا ( فترة محددة ) من عطائه التشكيلي تتناول السنوات التي تلت أزمته النفسية الأولى انقطع وقتها عن الرسم , وأقصد الفترة الواقعة بين أعوام ( 1969 – 1978 ) , ولم نتطرق إلى حياته إلا قليلا , وربما يفيد اللغة التشكيلية التي نبحث عنها , وقد كرسنا في نهاية هذا المقال جدولا منفصلا مفصلا عن أهم النقاط في حياة الفنان وكثير منها لم تكن معروفة من قبل والحصول عليها كان يتطلب بعض الجهد وخاصة فيما يتعلق بأعوام ( 1969 – 72 ) وهي من أكبر الفترات حساسية , ولعل ذلك يساعد أي دارس قادم لفن لؤي وحياته ويسهل عليه مهمته .
تشكيلات ما بعد عام 1969 (1):
عندما رجع ( لؤي كيالي ) إلى الرسم في بداية عام 1969 , ضمن أزمته النفسية الحادة , أراد أن يستجمع قواه التشكيلية , لإثبات قدرته على العطاء أو مجابهته , بل رؤية مسالمة , هادئة , مسترخية , مشبعة بروح حزينة بائسة , تحمل شعورا بالغربة , دفعته إلى تلمس الأشياء , برغبة من يريد التعرف عليها , ولهذا حاول التجريب والبحث , عبر العودة إلى الأصول التشكيلية الأولى التي حقق نجاحا من خلالها فيبدأ من (معلولا ) و(أرواد ), هذان الموضوعان كانا من أهم مواضيعه في الستينات , وأضاف اليهما موضوعات مستوحاة من قرى القبب حول (حلب ) ,مع رسم مكثف للزهور , وما أن يقترب عام (1970 ) من نهايته حتى يدخل (الكيالي )من جديد عالم الإنسان الواسع فيرسم (القارئة ) و(فاريء ) و(الخياطة ). ويمثل عام (1972 ), قدرة لؤي كيالي على بعث الدهشة في الآخرين , من خلال طرح فني متميز , فيرسم (الأمومة ) و (محروم ) و (امرأة أمام التواليت وامرأة جالسة ) و(الزهور البيضاء ) و (معلولا ). ومن الواضح أن (لؤي ) قد لجأ إلى تقنيات متفاوتة خلال السنوات الأربعة الماضية (1969 -1972 ) فهو يلجأ إلى فرش اعتيادي للون , وضمن لون وحيد (مونوكروم ) وتقنية تقليدية , وبتركيز على الخط , ملخصا الكثير من التفاصيل , ونجده بعد عام من ذلك يركز بطريقة أكثر عنفا على الخط , كقيمة تصويرية , محددة للمساحات – لغياب تفاوت دراجات الإضاءة (التونات ) للمساحات المتجاورة .
كما هي الحال في لوحات قرى قبب حلب ومعلولا , ويمكن أن نلاحظ اهتمامه بالتفاصيل , من خلال العناصر الموزعة بطريقة لا تأخذ التصميم العام بعين الاعتبار ولان التصميم خطي , والتقنية مركبة , بملمس وسط ,
فإن الغاية المبدئية كما يمكن أن نفهمهما هي التوصل إلى شكلية معينة .
أما لوحة (زهور عباد الشمس )التي رسمها في هذا العام , فإنها لا تخرج عن الإطار العام المذكور , وكل هذه الأمور تعكس الأجواء النفسية الداخلية للفنان التي تتميز بنوع من الانفصام بين الذات والموضوع , وبتعبير أدق بين الذات والمحيط , ولكن هل تمكن من إقناعنا بأنه استطاع أن يخلق نوعا من التوازن ؟
إن الأجواء المرسومة تدلنا على أن المنال ما زال بعيدا , فالقرى تعيش فراغا مخيفا , وسكونا حادا, فالأبواب موصدة والنوافذ صغيرة , ولا تستطيع أن تستوعب باقة متواضعة من أشعة شمس كانونية , والأفق صغيرة لا يستوعب سماءه , أن لؤي لم يكن يرغب في إقناعنا بأنه قد أسترجع ثقته في هذا العالم , ولم يكن يريد أن يقول :
-(( هاهي الأيام القادمة , ستغسل بؤسي , وستسطع شموسي تلون أفق ليالي البائسة , شموس تغير وجه الحياة )).
وإن الأعمال التالية له (1971 – 1972 ) تتطور طردا مع رغبة لؤي في لملمة نفسه , وتسجل أولى خطوات السلم , نحو الفن الآتي , على صعيدي الشكل والمضمون , ولكن شخوصه لا يملكون الرغبة في التحديق في العالم ، فهم مضمون عيونهم , يعيشون حياتهم من الداخل (قاري 72 ) و(امرأة أمام التواليت 72 )و(الحائكة 72 ) , وقد نجد فيها ضربا من تحوير تفاصيل التشريح , وخاصة في السواعد والأيدي : تنم عن عجينة شكلية , ولكن ذلك لا يمكن تعميمه على جميع أعمال هذه الفترة .
لقد رسم الكيالي في عام (1971 – 1972 ) تتطور طردا مع رغبة لؤي في لملمة نفسه , وتسجل أولى خطوات السلم , نحو الفن الآتي , على صعيدي الشكل والمضمون ولكن شخوصه لا يمكن الرغبة في التحديق في العالم , فهم مضمون عيونهم , يعيشون حيواتهم من الداخل ( قاري 71 ) و (أمومة 72 ) و(امرأة أمام التواليت 72 ) و(الحائكة 72 ) , وقد نجد فيها ضربا من تحوير تفاصيل التشريح , وخاصة في السواعد والأيدي : تنم عن عجينة شكلية , ولكن ذلك لا يمكن تعميمه على جميع أعمال هذه الفترة .
لقد رسم الكيالي في عام ( 1972 ) مجموعة كبيرة من الرسوم السريعة (كروكي) ,
يبدأ تنفيذها بالألوان عام (1973 ) مع ملاحظة واضحة بأن آثار السنوات الماضية , ما بعد عام 1967 , قد بدأت تتلاشى منسحبة بعيدا.
أن الأشخاص الذين رسمهم في الأعوام الماضية كانوا يحملون صفات معنوية , أن صح هذا التعبير , لكن أشخاص عام 1973 , وما بعده فهم يمثلون ( صغار الكسبة ) , على الأغلب , ويمارسون مهنة معينة , ( مرمم شباك الصيد , بائع المسكة , بائع الجوارب , عازف الكمان , الكناس ) . وبالإضافة للزهور وأشخاص في حالات وجدانية معينة (جالسة وفي المقهى ) يعانون القلق والانتظار . ونظرا لان هذه اللوحات رسمت من رسوم تمهيدية , ومن الواقع , فهي تخضع تشكيليا إلى بعض المعطيات مثل وقوف الموديل أمام الفنان .ولهذا نراه يعتمد على بعد واحد في اللوحة هو البعد الأول , الذي يمثل الموديل مع خلفية واسعة , وبلون واحد, وقد بات الخط المغلف للكتلة يأخذ طابعا نحتيا متينا يعبر عن المرونة , وربما بقدر ما على الحجم والفراغ ولا بد من ملاحظة التفكير المنطقي للتوازن ,عن طريق خلق لنوع من الاستقرار بين الخطوط الموجبة السالبة , أي بين المستقيمات والمنحنيات , الذي تفرضه حركة الفراغ الذي يتحرك من خلاله الموديل , ولا يفرضه البحث التشكيلي . وأن اهتمام لؤي قد انصب على التفاصيل الجزئية ونتيجة التركيز على الملامح , ومحاولة استيفاء الموضوع لحقه , ولشروطه الواقعية , كالاهتمام بتفاصيل الشعر أو عضلات العنق , وأوراق الزهور ,أو ألبسة الأشخاص وان معظم النماذج المرسومة تخضع للتكوين الهرمي , ولوقوع الخط الشاقولي في ثلث اللوحة , مع عدم الاهتمام بإضاءة, وهناك استثناءات كما في لوحة (عازف الكمان) التي نرى فيها التركيز الضوئي على اليد و الوجه .
ولكن تبقى أهم النقاط التشكيلية في إنتاج عام (1973 ) والمرحلة اللاحقة في عام (1974 ) , هي لجوء (لؤي )إلى الخشب المضغوط للرسم عليه , وباقتصاد لوني واضح , وباقتحامه لهذا المجال , الذي لم يكن اعتباطيا , بل كان محاولة للتغير , أو للتطوير للوصول إلى معادلات تشكيلية جديدة أساسها , مقدرة تفاصل الخشب على خلق حالة فسيفسائية , تتباين تأثيراتها
البصرية , وتخلق نوعا من الحركة عبر التقنية الجاهزة , ولهذا لجأ إلى تمديد اللون ليظهر هذه الانعكاسات وباعتقادي أنه نجح في ذلك في فترة لاحقة عام (1974 ) .
ولو تأملنا لوحات تلك المرحلة لوجدناه يجابه محاولة التوفيق بين تراجيديا هادفة وجمالية شكلية , ولهذا أسبابه الواضحة , وهي هيمنة جمالية شكلية ذهنية سابقة على طموح لطرح جماليات شكلية أو ما يمكن اختصاره بالحزن الجميل .
والنقطة الثانية , التي يطرحها بعد استخدامه الخشب هي تحويره للأيدي والأقدام , التي لا يمكن إرجاعها إلى ضعف في الرسم , ولكن هذا التحوير يأخذ طابعا تحطيميا في التشريح يصل إلى حد الإجمالية في بنائه كما في لوحته (في المقهى ) وخاصة في اليد اليسرى التي تتطاول الأصابع فيها ,
بطريقة عجيبة كأنها تحاول الانعتاق من جذورها , وينسحب هذا الكلام على المنظور الشكلي للطاولة , حيث نجد نقطة الفرار تحت خط النظر مع أن منظور الطاولة من الأعلى , وهكذا ينطبق على صحن فنجان القهوة , والعناصر الأخرى في اللوحة وقد يكون التحليل النفسي مجديا في هذه الحالة , ولكن هذا التحليل لن يخرج اطلاقا عن الحالة العامة المعروفة من قبلنا جميعا , والتي مر بها خلال السنوات الستة الماضية .
إن شخوص لؤي الكيالي في المرحلة يعانون حالة داخلية أشبه ما تكون بانتظار مشوب بضياع داخلي يقترب من البؤس , ولكنهم ينسجمون مع حالتهم , ويظهر ذلك في رسم (زهور عباد الشمس ) و معظم زهور تلك المرحلة , التي يستخدم فيها القطع الفوتوغرافي من الاسفل , وبدون رسم الآنية , بينما يوزع في اللوحة الزهرات في محيط الكتلة الاساسي لكنه يبعثر الأوراق بتشكيل عضوي واضح .
ولا يستخدم إلا فقط (الأخضر بدرجاته الضوئية – التونات – والبرتقالي ضمن درجتين فقط ) مع التركيز الواضح على الخط الذي يعاني هنا بعض الإرتجاج .
وتتمتع هذه اللوحات بالوحدة , وبالطابع الواضح مما يضفي عليها طابعا خاصا جماليا , تساعده نشارة الخشب المضغوط على التأثير , ولا يصر لؤي على العمق بل يلجأ إلى تسطيح واضح , مع مراعاة أكثر للمستوى الشاقولي أحيانا , (كما في لوحته أزهار 1973 ) التي نجده فيها يوزع الزهور البيضاء في البعد الأول , ويحملها درجة إضاءة أكبر , ويحذف إضاءة الزهور والأوراق في البعد الثاني , وهكذا يبقى البعد الأخير , مساحة واحدة يقترب بدرجات إضاءته (تونات ) من عناصر البعد الثاني المذكور.
وحين يأتي عام (1974 ) , نلاحظ قوة الاستقرار الحقيقي للخط , والتركيز الواعي على الكتلة , واضفاء الحياة على اللون , والإقتراب من اللغة النحتية , في رسم المفردات واللجوء إلى التوينات الصعبة , والحركة من خلال حالة التجميد الموفق للقطة , ويرجع هنا أيضا إلى التركيز على التفاصيل . وربما لايتم هذا في لوحات معينة , ويقدم بعض الأعمال في معرضه بدمشق في حزيران (1974 ) في أول معرض ينظمه في القطر بعد عدوان حزيران .
ولا شك في أن لوحة (أمام باب المقهى ) تأتي في المقدمة حيث يلجأ إلى خلق مشاكل فنية , ومن لم يبدأ بحلها , وربما كانت الغاية من ذلك معنوية بالدرجة الأولى , ولكن النتائج التشكيلية لا تضاهي , إذ بينما يركز بائع اليانصيب الكسيح على الطرف الأيمن للوحة .
ويوازن ذلك بمساحة صفراء قوية سطح البعد الثاني وبلغة نقدية نستطيع القول بأنه يلجأ إلى توازن بين الكتلة الكبيرة القوية باللون المشع القوي , وليس هذا شيئاً سهلاً على أي فنان , ويعتمد على أي تكوين هرمي معماري متين للغاية , فلو أخذنا الخط الذي يصل طرف الرأس مع الساعد ومددناه , أي الخط الذي يحد الكتلة من أعلى اليمين إلى أقصى أسفل اليسار , وأخذنا الخط الذي يصل طرف الرأس مع الساعد ومددناه حتى يحدد طرف الكتلة من اليسار السفلي ملامسا لليد , وعند التقاء الخطين , اذا مددنا خطا أفقيا وآخر شاقوليا لوجدنا بأن الزوايا المتجاورة يمينا ويسارا متساوية تماماً . وتلتقي الخطوط المحددة للكتلة الخارجية في نقطة واحدة .
إن الخط الأفقي المار منه يصنع مسافتين متساويتين تماماً , مع الخط الأفقي الأول أي أن ( 1-2 ) تساوي (2-3 ) , كما نراها في الشكل المرافق .
أما الناحية التشريحية , فهو حقق معادلة صعبة للغاية , الابتسامة على الشفتين , وحزن هائل على الوجه , دون اللجوء إلى تقويس الحواجب , بل يستغني عن رسم الحاجبين على الإطلاق , وهنا لا نستغرب قوله : ((بأن مع لوحته .. ثم ماذا؟ تبقى لوحة أمام باب المقهى من أفضل أعمالي ))
ويضيف أيضاً :
-(( هذا الطفل الكسيح الذي يعمل هو إدانة لكل من يرتاد مقهى القصر ولا يعمل ... والمثقفون منهم بخاصة )) .
ويمكن أن يقال هذا على لوحاته الأخرى (حبلى – بائع المسكة – إلى السوق – الشقيقتان – معلولا ).
لقد بات مستجمعا قواه , وهو في أحسن حالاته . وبات توظيف الخشب المضغوط يتوضح , كمادة ممتازة للغاية , ففي لوحة (الشقيقتان ) يلعب اللون الأحمر لعبته المدهشة , ويبدأ التشريح الدقيق يأخذ أبعد حالاته , ودلالاته التعبيرية , والإنسانية , ونرى ذلك في اليد المسترخية من الشقيقة على اليمين على كتف الأخت اليسرى , ونجد الحنان النادر , بينما تبدو الكتلة النحتية الصارمة في أسفل اللوحة تخلق نوعا من التضاد الإيجابي , مع زهور تستلقي بدلال على يد الشقيقة .
ولاشك في أن (لؤي كيالي ) قد تعمد ذلك , لايصال العمل إلى منتهى الشفافية , والصفاء الإنساني , ويمثل هذا الموضوع سابقة لا مثيل لها في إنتاجه من حيث الموضوع على الأقل .
إن( لؤي ) يسترجع في هذه المرحلة ذاكرته , فيرجع إلى أعماله التي رسمها قبل عام (1966 ) ليعيد رسمها بصياغات جديدة تعكس واقعا أكثر تلاؤما مع الواقع , ونذكر لوحتيه (حبلى )
و( تحت الأنقاض ) .
إن الانتقال الأساسي في هذه المرحلة يبدأ في عام (1975 ) , حين يترك (لؤي ) القطر إلى (روما ) .ومن ثم يعود بعد ذلك ليزور (اللاذقية ) و( طرطوس ) و( أرواد) , ليحضر معه العديد من الرسوم عن القوارب .
وإذا كنا نجد في تجاربه السابقة , وحتى قبل أكثر من عشر سنوات , مواضيع بيئته تنتمي إلى جغرافية هذه المنطقة ,فإننا نجد في القوارب موضوعا جديداً . ضمن مساره , وعلى الأقل من خلال الرؤية التشكيلية .
وتوضيح ذلك لا بد من الرجوع إلى فترة ما قبل الذهاب إلى روما عام (1975 ) , وبعد ثلاث سنوات من الإجهاد الشديد , إذا اعتبرنا العطاء الغزير والسهر المتواصل . إجهاداً , يفكر بالتوجه إلى أشكال ومضامين جديدة وخاصة بعد حصوله على المرسم الجديد , ولجأ إلى التجريب وسنحاول توضيح ذلك في النقطتين التاليتين :
1 – الخروج من دائرة الخط الصريح الواضح المحدد للشكل بعنف , والانتقال إلى تصميم أكثر حرية, في تلامس المسطحات وتداخلها , ولهذا يلجأ إلى التعبير العنيف باللون , وبانفعال تعبيري تحديدا, ومن ضربات فرشاة سريعة تحذف الفواصل في الخطوط , ولا بد من اختيار المواضيع التي تفسح له حرية العمل , وطبعا الطبيعة مجال واسع لا ينضب فانكب على الدراسات اللونية والمشاهد الخلوية .
2- رد فعل معاكس للنقطة الأولى , ولجوء إلى هندسية صارمة وبمزج واضح للمساحات السالبة (المستقيمة الحواف ) والموجبة (المنحنية ) , وضمن تكوين مغلف , تكون الخلفية فيه مجالا واسعا لممارسة تجارب التحديدات الهندسية خطا ولونا , حتى إن لوحة أزهار برتقالية تبقى فيها المفردات واجهة , وبمفهوم الإسقاط المعماري للمخططات .
وإذا كنا نريد تحديد أهم ظاهرة في تلك المرحلة , فهي المقدرة الجيدة على التصميم . عن طريق تكوينات متطورة وتوزيع لوني متطور , وخط متين متماسك .
ونلاحظ وجود ردي فعل مختلفين تماماً , وتبريرهما واضح , اذ يرجع ذلك بشكل أساسي إلى محاولة البحث عن مضامين جديدة وأشكال وهو يجد ضالته بعد رجوعه من (روما ).
وكي نفهم هذه الفترة علينا الرجوع إلى نقطة حيوية وهي أن لؤي استطاع تحديد موضوعاته ,وكانت مختارة بدقة بحيث نستطيع أن تستوعب نظرته في الفن .
وهذه الموضوعات هي (المقاهي الشعبية ) و(أرواد )و(معلولا ) و(قرى حلب ) , و (محتويات المرسم من طبيعة صامتة) , ومواضع أخرى مثل (رأس البسيط) , والنماذج الحية لأصدقائه , وأقربائه
وخاصة ... (عمته )
ويهمنا هنا (أرواد) التي ركز عليها منذ منتصف عام (1975 ) ونميز هنا حالات تشكيلية أربعة :
1- أشخاص في البعد الأول بواقعية معهودة من قبله , وحيث البعد الثاني (الخلفية ) عبارة عن مساحة بلون واحد , بحيث يصبح لونا للبعد الأول وكما في لوحته (مرمم الشباك ).
2- أشخاص في البعد الأول . مع التأكيد على واقعية الخلفية , حيث تشكل ( الشاطئ مع البحر ) كما في لوحته (فتى من أرواد ).
3- قوارب ملقاة على الشاطئ , وقد حذف منها العنصر الإنساني , وبشكل كامل في لوحته
(مراكب رقم 3 )
4- القيام بعمل تركيبي يقسم فيه العمل إلى قسمين أحدهما يمثل مشهدا لمراكب والأخر يمثل طفلا أو رجلا كما في لوحته (بائع خبز وقارب ).
وهنا نحب أن نؤكد على ناحية هامة , وهي أن كل تحوير أو تبسيط نلاحظ لا يتعارض ورغبته في المحافظة على البيئة والتقاليد الاجتماعية , فلو تأملنا شخوصه من دائرة جغرافية محددة , هذا ينطق على القوارب المرسومة وطريقة توضعها , وشكل ظلالها على الرمال , إضافة إلى المحافظة على نوعية الكراسي .والشباك.. ويلح على احترامه للواقع واستيعابه له .
وما هو الجديد في لوحات (القوارب ) من حيث الشكل والمضمون؟ لقد استطاع ( لؤي كيالي ) التوصل إلى لعبة بصرية , موجودة في التصوير الفوتوغرافي , وذلك حين نلتقط صورة لنموذج يشع النور من ورائه , يظهر الموديل غامقا , مع انبعاث ضوء قوي على الحوافي ويعمق لؤي ) إلى إعطاء ظلال قوية لقوارب ملقاة على شطآن البحر , الإضاءة عمودية وقريبة من الموديل , وكأن الشمس تطبق على الأشكال , واستخدام الخداع البصري لتحس بالضوء القوي المشع من وراء الظلال , التي تمتد على المساحة المخفية , فراغ في فراغ وسكون من صمته يمزق الأذان .
ولجأ إلى طريقة بسيطة لحل هذه النقطة وهي تمديد الأبيض , حول الظل , والظل حدده بقوة , والأبيض يتلاشى عبر الأصفر الذي يحتل معظم المساحة وليس اللون وحده هو سيد اللوحة , بل يأتي التصميم وبقوة لا مثيل لها في لوحاته , إذ يلجأ إلى التكوينات الصعبة , في محاولة لخلق توازن للأجسام القلقة عبر المساحات الكبيرة كما هي الحال في لوحته (قارب 1 ) حيث وضع قارباً وحيدا في أعلى الجزء الأيسر من اللوحة , مع ظلال غامقة دائرية إلى حد كبير , وتقليص مساحة السماء , واستخدام المنحني الصعب لخط الشاطئ , ورغم المساحة السفلية الفاتحة استطاع التواصل إلى التوازن المدهش والقيم الجمالية المقنعة .
إن لؤي الكيالي قد أعطى خصوصية وكشفا في الشكل , وإضافة إلى عطائه , مضامين جديدة تعكس واقع جديدا, هذا الواقع يتميز بالشعور بالوحدة والغربة , ضمن إحساس هام هو : البحث عن مخرج من نمطية الحياة التي كان يعيشها , والهروب إلى مساحات أكثر اطمئنانا , وهنا يبرز تساؤل أساسي وهام يطرح نفسه :
- كيف نستطيع تفسير استمراره في رسم تلك المواضيع عبر أكثر من عام ومن خلال رسوم يحصل عليها خلال زيارة تستمر بضعة أيام , ولا يتأثر بواقع يعيشه خلال عام كامل ؟
- لقد رجع إلى رسم مواضيع سبق أن تعودنا عليها فرسم رأس البسيط , كشكل من التغيير , كأنه قد اكتفى من المراكب والأشخاص , ضمن نفس الإطار المألوف , وبرزت العوامل التالية :
1 – عودته إلى الوسامة والجمال الفيزيائي بقيمة المعروفة .
2 –اللجوء إلى قلم الرصاص والفحم في التظليل وتغطيته بلون ممدد.
3 – تحويل الأشخاص نفسيا من حالات بائسة أو حزينة إلى حالات أكثر فرحا
4 – ترك مادة الخشب المضغوط ورجع إلى الطريقة التقليدية .
وترافقت تلك المرحلة مع غزارة الإنتاج وسهر متواصل وإدمان مع طلب متزايد على شراء أعماله , وتحسن واضح في أحواله المادية .
منذ بدايات عام (1976 ) أصبح موضوع الزهور هو الموضوع الطاغي على جميع الموضوعات الأخرى , مع الاستمرار في موضوع القوارب , ضمن رؤية تركيبية , (قوارب مع مرمى الشباك ) كما في لوحته الكبيرة (من وحي أرواد ) , ومواضيع (الأمومة ) و(معلولا ) مع بعض المواضيع الجديدة مثل ( بائع الجرائد ,بائع الذرة , مشاهد من بلدة حلب ) . ومع الاهتمام بشكل واضح باللوحات ذات الإبعاد الصغيرة ولوحات الزهور والطبيعة .
وإذا كنا لا نرى ما هو جديد , بل استمرارا في الموضوعات , فأين الجديد:
((أن مسحة الحزن بدأت تنسحب عن الوجوه , وتحتل مكانها وجوه نشطة مرتبة جميلة , ممتلئة صحة وتمارس مهنتها بمحبة وتفاؤل .. وأصبحت الأيدي ناعمة الوجوه ملساء تخفي عضلات مرتخية , وأصبح الاهتمام بالتفاصيل هاجسا تشكيليا ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تفاصيل الذرة وحباتها وتفاصيل الشعر في لوحة (بائع الذرة ) كما في لوحتيه ( أمومة ) و(بائع الجرائد ) .
إن هذه الملاحظات يمكن أن تترافق مع مقدرة تشكيلية متطورة من حيث التشريح الفني , وإعطاء حلول لبعض المعادلات الفنية الصعبة , وخاصة في البناء والتكوين ورسم الأيدي – بتفوق واضح , ولكن ذهابه بعيدا في استعمال الفحم والرصاص في التظليل قد قلل من القيمة التصويرية المحكمة .
إن هذه الملاحظات يمكن أن ترافقها مقدرة تشكيلية متطورة من حيث التشريح الإنساني وإعطاء حلول لبعض معادلات فنية صعبة وخاصة في البناء والتكوين ورسم الأيدي .
أما ما يتعلق برسم الزهور فالمعادلات أكثر وضوحا من حيث اهتمام الفنان بما يمكن تسميته بالإعلامي , فأية لوحة , توصلك إلى أنه كان يحصى عدد الزهور والأوراق في اللوحة , ويسطر ذلك بأمانة مطلقة , وأن حاول أحيانا تحطيم الرؤية الواقعية الفوتوغرافية باللجوء إلى خلفية هندسية , أو حصر التكوين في إطار واقعي , ويمكن أن تقال أشياء عديدة , ولكن هاجس الشكل يطفي على هاجس المضمون , وكان الفنان لا يخفى ذلك بل ويذهب إلى أبعد منه حين كان يرسم المزهرية الواحدة في أوضاع أمامية وخلفية , وبدقة في الرسم , ونظافة لونية تدعو إلى الاستغراب , ولكن هذا لم يستمر طويلا, اذ بدأت اللوحة تنفذ بسرعة عجيبة وبدأت التفاصيل تذوب مع اقتصاد في اللون .
ويقدم (لؤي ) في معرض تحية إلى الفنان (فتحي محمد ) في نهاية عام (1976 ) لوحة تحمل دلالة خاصة بعنوان (نهاية ثائر ) . وقد أعطي تفسيرا لها , عندما سألته عن مضمونها :
(( انها قصة أحد رجال الثورة السورية يستلقي أمام المكتبة الوطنية بحلب الآن ليشحد بعد أن أصيب بالعجز والشيخوخة )) .
وأعطى تكوينا صعبا للوحة بعد أن أخفي وجه الثائر , كدلالة معنوية قد تعني , أن الثائر يمكن أن يكون أي ثائر , وأن النهاية يمكن أن تكون نهاية أي مناضل , وبالتأكيد كانت اللوحة بالمفهوم التقليدي نهاية الطروحات الثورية للفنان .
في نهاية عام (1977 ) وبالتحديد عبر (21 ) عملا زيتيا يعرضهما لؤي كيالي في حلب , برزت بعض نتائج هامة في أعماله .
يبدأ لؤي بالرسم التمهيدية والرصاص , ثم ينفذه على اللوحة بإعادة الرسم من جديد ومن ثم يلون , بعد فترة قد تطول وقد تقصر بين الفترتين بعقلانية حازمة , وحساب دقيق , التقنية بسيطة , ويعتمد على التأسيس التقليدي .
وان العنصر الرئيسي هو الخط القوي المعبر عن الإحساس الداخلي والكتلة معا , وقد يتطلب الموضوع , كالزهور مثلا , منه ذلك , يرسم بكل صبر ودقة للسيطرة على فراغ اللوحة , ويختار الحجم الكبير للوحة , وضمن تكوين مدروس تماما , ويأخذ التكوين الهرمي في الأغلب , التكوين مغلق في اللوحات ذات العنصر الواحد ومفتوح في اللوحات المتعددة العناصر , ويعتمد على الألوان الرئيسية (أحمر- صحراوي – أزرق ) بتكاملها واشتقاقها , وهي واحدة في معظم الأعمال , وقد يلجأ إلى لون (أزرق ) , ويعتمد على درجات الثلاث ( غامق ووسط وفاتح ) .. وتكمل العين بقية الألوان فيزيائيا , يفرش اللون على المساحات المحددة سلفا , بفعل الخط وبدقة ونظافة . ويلجأ إلى التظليل حين لا تعبر الكتلة عن الفراغ , وتأتي الحركة من تفاوت القيم اللونية وتصل إلى ذروتها في استعمال البقع البيضاء .

ولنتساءل بعد ذلك كله .. ما هو المخطط البياني (عند الكيالي ) وما هو

أصول اللغة التشكيلية التي حاول التحرك من خلالها :
إن الخط البياني للتطور الفني عند الكيالي صاخب , ومتوتر كحياته وكأي فنان كبير تختلف الآراء حول فنه – وهذا طبيعي جداً تلتقي وجهات النظر – على الأغلب – عندما يكون الحديث عن قيم تقنية أو تحديد للعطاءات – تقييم عطاء كامل هو غير إبداء رأي بمعرض – ولابد لنا من التساؤل – أثمة ما يميز الكيالي فنيا في حركة الفن العالمي أثمة إضافات أيكمن في الكيالي فنان من الطراز الأول أن الإجابة تتطلب تحليلا وافيا لأهم الجوانب الفنية في عطائه :
1- هناك أمور عديدة تحملنا على الاعتقاد بأنه فنان (ذكي ) يملك شيئا من العبقرية .. لأنه كان يعرف ما يريد ؟ ماذا يرسم ؟ كان قادرا على رسم أي شيء , وبل متحديا واضحا للكبار في الرسم , وقد قال أكثر من مرة
((إني أتحدى )) وكان يملك الحق في ذلك , وربما سيذكر تاريخ الفن , بأن الكيالي هو من أبرع الرسامين في رسم أيدي والأقدام , وأن إلحاحنا على هذه النقطة ليس دفاعا عن الأكاديمية أو الطبيعة في الفن – بل إشارة واضحة إلى حرية الفنان , لأنه الفنان عندما يكون متمكنا يكون حرا أكثر ولذا لا يمكن أن نعتبر مقدرته الفذة في الخط أمرا عاديا واعتباطيا , أو ثانويا بالخط المتماسك المسكوب سكبا كم يكن يعبر عن الكتلة في الأوضاع الصعبة , فحسب وبل كان يظهر العمق أيضا – الأبعاد الثلاثة – حتى تخال أحيانا بأن دور الظل والنور ثانوي وحتى الألوان أيضا .
2 – أن تمكنه من فهم التشريح قد ساعده في الوصول إلى حلول تعبيرية ممتازة للشكل الإنساني وبل إلى اكتشافات حقيقية في عالم الأيادي الصعب ولذا كان يحور بحرية تامة , يختزل , يبسط , يبالغ بما فيه خدمة الدلالة التعبيرية والوصول بها إلى أكثر الحالات توترا ( مالرو – الفن = رسم +دلالة تعبيرية ) وربما أكثر الحالات عجينية ( معرض في سبيل القضية )
التي تتجاوز الواقع وبل أعماق الإنسان في عالمه الداخلي وإلا ماذا يعني هذا التعاطف المذهل بين حركة الأيادي وزخم العيون .
3 – إن النقطتين السابقتين تقودانا إلى البحث في إحدى النقاط الهامة في فن الكيالي وهو ما نسميه بلغة النقد تثبيت اللقطة , وكان يختار على الأغلب اللقطة الصعبة , وإذا ما أخذنا برأي (كامي ) أن الفنان الحقيقي هو الذي يقوم بعملية تثبيت , ويوهمنا بأنها لم تتم إلا منذ فترة قصيرة , فإن الكيالي كان يعطي لهذا التثبيت استمرارية تشع أبدا , لحظة تنتظر على اللحظات كلها , حالة تعمم على كل الحالات , الحالة التي يعتبرها (أو جين دلاكروا ) عبقرية حقيقية عند الفنان الذي يملك (موهبة الاختيار مع القدرة على التصميم ).
4 – الألوان : عند الكيالي عالم آخر , وقد نعتقد في البداية بأنها سهلة ومأخوذة من (الأنبوب ) مباشرة , ولكن سرعان ما نكتشف أخيرا بأن هناك معادلة رياضية مدهشة في دائرة ألوانه وسنشرحها في الفترات التالية
************
الكيالي في سفر مع اللون بشكل خاص واللوحة الفنية بشكل عام كان يبحث عن إمكانية إعطاء توازن بصري إلى أقصى حد ممكن – الفن التشكيلي هو بصري بالدرجة الأولى – وأن أساس هذا التوازن ينصب في عدة نقاط :
أ‌- استخدام الألوان الرئيسية ((الأحمر+ الأصفر +الأزرق ) في اللوحة
الواحدة , وإضافة بعض مشتقاتها عند الضرورة – كالأخضر والبنفسجي ,
وبشكل لا تحتاج العين فيها إلى ألوان أخرى , ولان القيمة الفيزيائية , لكل لون تختلف عن الآخرى ليس فقط لأن دائرة ألوانه تحوي البارد والحار معا
بل لوجود تفاوت في درجات اللون الواحد أيضا , ولذا كان الكيالي يجابه مسألة التوزيع لهذه الألوان عبر المساحات الواقعية وسنشرح هذه النقطة في البند التالي :
ب‌- ربما تكون هذه النقطة هي من أهم نواحي الكشف الفني عند
الكيالي على الإطلاق , ولنوضح :
كي يخلق توازنا بين الأزرق الفاتح والأحمر , يلجأ إلى استعمال مساحة كبيرة من الأزرق , مع بقعة صغيرة من الأحمر , بحيث يعطي اللونان كمية واحدة من التأثير الفيزيائي البصري ,لأن الأزرق هادئ جدا , والأحمر صاخب جدا , أو قد يلجأ إلى وضع كتلة ثقيلة , كالكتلة النحتية تماما , في طرف اللوحة وترك مساحة واسعة بلون واحد وبدون , أي رسم تشبيهي – لوحته أمام باب المقهى 1975 , هيا أحدى أهم لوحاته , مما كان سيوحي بعدم الاستقرار والتوازن إن لم ينقذ الكيالي بإدراكه هذا الأشكال , ولذا استعمل في الخلفية – البعد الثاني – مساحة صفراء قوية يعادل بتأثيرها تماما الكتلة القوية في المقدمة – البعد الأول –
هـ –إن لجوء الكيالي وبعنف إلى الأبيض أحيانا , لم نقل اللون الأبيض , لأننا لا نعتبره لونا بل تأثيرا بصريا , يوحي بالإضاءة القوية , يقابله طمس بالأسود وخاصة للخط , لم نقل اللون الأسود لأننا لا نعتبره لونا , بل تأثيرا بصريا بالتعتيم القوي , ولذا فإنه على الأرجح لم يكن يرغب في جمع الأبيض مع الأسود , في أعماله الملونة , وفي الحالات الجمالية الهادئة ضمن أسلوبه المعدود , بينما يلجأ إليها في الحالات التعبيرية العنيفة وبدأ إضافة أية ألوان أخرى , (معرض في سبيل القضية مثلاً )
5 – الموضوع : ويمكن حصره عند الفنان وبسهولة , وإذا كان الإنسان محوراً أساسيا وهاما في لوحاته , فإن الكيالي قد لجأ إلى مواضيع أخرى كالطبيعة والطبيعة الصامتة والقرى والبحر . ولكن الفنان لم يحذف عن هذه الأعمال الإنسان نهائيا , بل كان يلح :
((بأن الإنسان مر من هنا )) وذلك بالتأكيد على الأثر , عندما يرسم طريقا أو خيمة , وعندما نرسم بحرا يترك قاربا , وهكذا , وكل ما يهمنا هنا هو إعطاء تحليل شكلي للموضوع الذي أخذ ثلاثة مناح في التشكيل :
آ – طبيعة خلوية خالية من الإنسان مع الإبقاء على الأثر – معلولا – البندقية – رأس البسيط ..........الخ
ب - الإنسان مع الطبيعة الخلوية ويكون الإنسان هو البعد الأول دائماً , والطبيعة هي البعد الثاني – الخلفية - , بحيث تأتي الطبيعة كمعالجة لمجابهة الفراغ كشكل وتأكيد على البعد الإنساني المضمون (معلولا كخلفية1965 – القوارب 1975 ) .
ح- الإنسان وحده , كبعد أول مع مساحات كمعالجة للفراغ , ولعل هذا الاتجاه هو الغالب في أعماله .
ولكن هل يمكن إخضاع الكيالي إلى هذه المعاير الصارمة دائما , وبمعنى آخر هل تنحصر اللغة التشكيلية عنده ضمن هذه الدائرة ؟ والإجابة تأتي بأن الكيالي قد خرج عن مألوفه مرات عديدة , هذا الخروج كلغة كثيرة كنتيجة , أو كسبب وكأي فنان صادق مبدع يعايش الواقع بكل إبعاده والإحداث بكل خلفياتها , فالكيالي في فترة (1966 – 1967 ) أوصله تشابك الأحداث إلى ذروة الانفعال وبتغير أدق وجد أن اللغة الهادئة الساكنة السابقة تنوء عن حمل المضامين الجديدة التي يحاول طرحها ولا بد من البحث عن أساليب جديدة ولأن الكيالي كان مخلصا لأسلوبه فلم يجد أمامه سوى تطوير واقعية التعبيرية نحو تعبيرية أكثر , ومن وجهه نظر نقدية لا يمكن اعتبار أعمال معرض في سبيل القضية انقلابية ضمن طرحه لأنه سبق وأن مهد في لوحته ( ثم ماذا 1965 ) والإنسان في الساح (1966 ) , وأعمال أخرى إلى الوصول إلى ذلك المعرض .
وبعد.... أثمة مبررات الآن للتساؤل ... أيمكن في الكيالي فنان من الطراز الأول ؟ وهل قدم إضافات تشكيلية إلى عالم الفن الذي لا ينتهي أبدا...
لقد استطاع لؤي الكيالي أن يقدم لغة حضارية معاصرة وحديثة في مضمونها الإنساني , وشكلاً تقدميا ,
يعتمد على التمثيل الواقعي ضمن رؤية ذاتية ثانيا , نقول ( تقدمي ) لأنه كان يدعو إلى الحياة ,ويقف إلى جانب صانعي هذه الحياة , لا الذين يعيشون عالة على الحياة , نقول تقدمي لأنه كان يرسم لا وسع الشرائح الجماهيرية أو أكثر انسحاقا طبقيا , وبل كان يتوجه إليهم في أغلب الأحيان ولذا لم نستغرب صداقاته العديدة مع أشخاص بسطاء عاديين , ولأن الكيالي كان فنانا حقيقيا فإنه تأثر بالظروف الحياتية التي عاشها بكل إبعادها وانعكس كل ذلك وبأمانة في أعماله بسلبياتها وإيجابياتها ولذا قدم أعمالا في غاية القيمة الفنية – معظم إنتاجه – وأخرى كأنها لم تكتمل بعد – خاصة في إنتاج عام 1977 -.
ان لؤي الكيالي الذي أعطى يجعلنا نطلق صيحة الدعوة الفعلية إلى النظر في موضوعه ووضعه في مكانه الصحيح , فنحن لا نرغب في أن نرى الأجيال القادمة تعرف لؤيا من خلال هوامش الصحف والكتب المتفرقة ولا تستطيع أن ترى أعماله مجمعة في مكان لائق ....
تعرفهم بفنان نادر الطراز عطاءاً وحياة .. فالكيالي ملك للأجيال القادمة التي قد تنصفه أكثر مما أنصفناه
بل ملكاً لشعب لا يمكن إلا أن يكون فنانه .. أي فنان الشعب .