International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي و رحلة الحزن التي انتهت بالفاجعة

Article Title : لؤي كيالي و رحلة الحزن التي انتهت بالفاجعة
Article Author : مجموعة كتاّب
Source : جريدة البعث السورية
Publish Date : 1979-01-03


البعث 3/1/1979
لؤي كيالي و رحلة الحزن التي انتهت بالفاجعة
طارق الشريف : "الجمال الحزين الذي يريح النفوس المتعبة "
عبد الله السيد : " بحيرات الحزن الراكد .. أو ينابيع الآمال البراقة ؟"
نعيم اسماعيل : " لوحاته تصلح للتعبير عن كل عصر و كل فترة زمنية "
هل مات " لؤي " أم " قتل " ؟! و في الحالتين هل من واقع ما ساهم في ذلك ؟! من عايش (لؤي) في المرحلة الأخيرة كان على يقين بهذه النهاية المأساوية و بعضهم أنذر بذلك .. لقد رحل (لؤي) و في أحلك مرحلة من تاريخ حركتنا التشكيلية السورية المعاصرة ، مرحلة أصبح فيها الأصيل معزولا و نادرا ..
-1- ترى أهي سخرية القدر و هو الذي أجاب عن سؤال الفنان الراحل أسعد المدرس هل تؤمن بالقدر ؟ بنعم " جيش الشعب العدد 1002 تاريخ 14 أيلول عام 1971 " أم هي ضريبة الالتزام بإنسانية الإنسان كما قال لؤي " الالتزام هو التأكيد على إنسانية الإنسان " – المرجع نفسه – و لماذا استفحل الحزن في الوجوه التي رسمها كما في الطبيعة و الأشياء من حوله .. أهو انعكاس لداخله و هو الذي قال عن جذور الحزن في لوحاته " لأنني في أعماقي حزين "؟
أول عمل فني أنجزه لؤي كيالي كان تخطيطا لجده ، حدث ذلك في طفولته و هو لم يجاوز الحادية عشر .. كان تخطيطا بالأبيض على لوح أسود .. كبرت مساحته و امتد سواده عبر الواقع ليشمل جميع لوحاته من رسوم البورتريه لسيدات من دمشق إثر عودته من روما إلى رسوم الفقراء و الكادحين مرورا بمعلولا و الزهور .. نعم.. فسواد الحزن كان يحيط حتى بالزهور التي يرسمها ، لأنه كان يرى و يقدم داخله في كل الموضوعات التي صاغها منذ معرضه الأول عام 1959 " صالة لافونتا نيللا " بروما و حتى آخر لوحة أنجزها .. قبل أن يتركنا للحزن و يرحل .
-2- لم تعرف الحركة الفنية عبر نصف قرن فنانا له جمهوره الكبير مثل لؤي ، في حلب كما في دمشق و حمص و كل المدن السورية .. كان ينتج باستمرار " توقف فترة إثر نكسة حزيران عام 1967 " و في أي وقت تزوره لا تجد لديه لوحة واحدة من لوحاته .. فهي تباع بعد انجازها مباشرة ، و عندما يريد إقامة معرض فردي كان يتصل بالمقتنين للوحاته يجمعها ، يقدمها في المعرض ثم يعيدها لهم .. فليس هناك من فنان محلي يبيع مثل (لؤي) و مع ذلك كان مقلا في إنتاجه " رسمت خلال ثلاث عشرة سنة 450 لوحة ".
في مدينة حلب -مثلا – مجموعة من المقتنين الذين يتحدثون عن مجموعاتهم الفنية و كم تضم من نتاج (لؤي) ، فمجموعة فلان تحتوي 4 لوحات و مجموعة فلان تحتوي 6 لوحات و مع ذلك لم يتاجر - لؤي – بفنه ، و تاجروا به ، كان يرفض أن يبيع بأسعار مرتفعة ، كان يبيع بالثمن الذي يطلبه أي فنان شاب في القطر و ليس له من مورد عيش آخر يذكر .
-3- و بشر لؤي بمأساته مأساتنا جميعا قبل عام واحد من رحيله ففي حلب التقينا به قبل حوالي عام و نصف ، كان يؤثر الصمت ، الصمت الموجع ، و وجدت صعوبة في إخراجه من صمته ، و عبر حوار قصير نشر في الثورة العدد 4398 تاريخ 22-6-1977 قلت في المقدمة – في ركن هادئ بحلب كنت أجلس مع مجموعة من الفنانين ، نتحاور - بهدوء ،بقوة .. و أحيانا بانفعال – لؤي كيالي – كان يؤثر الصمت .. لم يقطع صمته
إلا كلمات المطلق ، النسبي ، الموت حين قلنا كل الأمور نسبية . لا شيء مطلق .. قال - لؤي – لا ليست كل الأمور نسبية ، هناك الموت .. الموت مطلق .. و انتهت الجلسة .. – هذا ما قاله – لؤي – قبل عام و نصف ، و في عام 1976 أقام – لؤي معرضا في صالة الشعب للفنون الجميلة بدمشق .. و قال أحدهم على هامش المعرض : - لقد فضل هذا الفنان أن يخسر موقفه أو يغيره ، علما أن مثل هذا الأمر ، كما يبدو بات لدى – بعضهم – أسهل من تغيير حذاء أو ربطة عنق ؟!-
الحزن – القلق – المأساة – الرعب .. جملة حالات إنسانية رافقت حياة - لؤي – و لوحاته .. و لم يتمكن الفنان من الابتعاد عنها .. كانت تلازمه كما هو الواقع ففي عام 1965 قال – لؤي - : - سأحاول العودة إلى رسم المأساة و من جديد لأعطيها أبعادا أخرى سواء في المضمون و سواء في الشكل ما دام الإنسان يدرك أبعاد الوجود و الحياة أكثر حسب تطوره الفكري و لأن نكبة فلسطين ما زالت قائمة .. – بمعنى أن المأساة كانت تتطور ، تتنامى في تجربته مع تطور وعيه الثقافي و الفكري .. و كأني به في النتيجة يشير بإصبع الاتهام علينا جميعا حين يقول – سأعود لرسم المأساة لأن نكبة فلسطين ما زالت قائمة .. – و كان لاستمرارية النكبة الأثر الكبير في تجربة – لؤي – ففي عام 1967 يقيم معرضه في سبيل القضية المركز الثقافي العربي بدمشق – كان معرضا متجولا في محافظات القطر .. و لعله المعرض الأول المتجول .. و تأتي النكسة ألما .. احتراقا .. تمزقا .. حزنا ..
-4- عن الحزن في تجربة لؤي قالوا : - إن هذه اللغة المكثفة لتاريخ بشري طويل ، تبدو لغة متقنة لدى الفنان – كيالي – و لذا فقد كانت – من خلال تنويعاتها – حاملة للمضامين الإنسانية ، حاملة لعاطفة الحزن المستقر الهادئ ، من خلال منطق التوازن و موحية بهموم الإنسان و تطلعاته من خلال اتجاه الحركة الخارجية للشكل ، و فواحة بالجمال من خلال إيقاع الحركة الذاتية للخط . و لتتفتح نفوسنا بعد هذا للموضوع اليومي و للعيون.. بحيرات الحزن الراكد ، أو ينابيع الآمال البراقة ، و حينذاك – ربما نصل إلى ما يريده الفنان ، أو نقف مستشرفين تجربته على الأقل ...
- عبد الله السيد –
- إن اللوحة تحوي كل ما ترتاح له العين التي تبحث عن الجمال ، و الجمال هو نوع من الحزن الجميل الذي يسيطر على الوجوه ، و حتى في رسمه لبعض الوجوه التي تعكس حزنا قاتلا – لا يجسد إلا الحزن الذي يعطي الوجه جمالا ، و يمنحه المسحة التي ترضي النفوس القلقة المتعبة – إنه الجمال الحزين الذي يريح النفوس المتعبة – طارق الشريف - . –
- يأخذ الحزن أشكالا جديدة ، ينتقل من الإنسان إلى الطبيعة ، يسكن الورود و المنازل ، و يبدو أن لؤي يريد أن يعمم حزنه و حزن أبطاله و ينتقل به إلى الأشياء و الموجودات و يكسبه رفاهة الشعر و غنائيته . فهل يعني ذلك أن البطل في التجربة قد أصبح الحزن أو أن ذات لؤي الفنية قد سكنت الحياة من حوله . –
-5- كان – لؤي – يؤكد – دائما – ضرورة النقد – تنتهي مهمة الفنان حين يقدم إنتاجه للجمهور ، و لا يحق لأي كان طلب شرح الإنتاج الفني من الفنان و إنما من شخص آخر يدعى بالناقد الفني له من المؤهلات الحسية و الجمالية ما يقربه من إنتاج الفنان و يدفعه إلى تذوق العمل الفني الخالص – و كان له رأيه بالنقد و النقاد و بما يكتب في الصحف و المجلات و قد كتب حول بعض المعارض التي أقيمت في بداية الستينات أي إثر
عودته من الدراسة في روما ، ففي مجلة الجندي – جيش ( الشعب – حاليا - ) العدد 584 تاريخ 18-12-1962 كتب لؤي حول معرض الفنان ميشيل كرشة ، و قد وضع في هذا المقال رأيه بالكتابة النقدية في تلك الفترة . كما قدم مفهومه للناقد الفني الصحيح – على حد تعبيره – و هذا بعض ما قاله : - إن معظم هذه المقالات في النقد الفني لا تخرج عن كونها ريبورتاجا مصورا عن الفنان نفسه ، عن حياته ، و عن الجوائز التي حصل عليها و عدد المعارض التي أقامها أو اشترك فيها ، و كثيرا ما تشترك أكثر من صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية و في أكثر من مرة في ترداد مضمون المقالات الفنية التي تنشر عن أحد الفنانين ذلك لأن هذه المقالات ليست أكثر من عرض لحياة الفنان و تقديمه إلى الجمهور على أنه درس كذا و حصل على عدد من الجوائز كذا.. الخ – و لهذا فإننا بحاجة إلى الناقد الفني الصحيح الذي يكتب ، لا عن حياة الفنان و إنما عن أعماله ذاتها و ذلك بشرحها و تحليلها ، ثم التعليق عليها و نقدها نقدا موضوعيا ، يفيد الجمهور بتعريفه على أعمال فنان و يفيد الفنان نفسه إذ يطلعه على كثير من نقاط الضعف في إنتاجه .. لكننا في هذا البلد نفتقد مثل هذا الناقد .. – و هنا نقول يندر أن نجد فنانا محليا يعي ضرورة النقد و يطالب به . و بالتحديد يطالب بالنقد الذي يكشف نقاط الضعف في إنتاج الفنان . كما قال - لؤي ..
-6- لقد رحل – لؤي – الفنان الإنسان الذي اتحد حزنه بأحزان الفقراء و الكادحين ، لكن فنه لم يرحل و لن يرحل .. و سيبقى – الجمال الحزين الذي يريح النفوس المتعبة – كما كشف عن ذلك أكثر من ناقد و متتبع لتجربته . لقد رحل في قمة مأساته . – رحل و نكبة فلسطين ما زالت قائمة.
خليل صفية