International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> ما قبل 25 عاماً على رحيل لؤي كيالي.. بقليل

Article Title : ما قبل 25 عاماً على رحيل لؤي كيالي.. بقليل
Article Author : جريدة البيان الإماراتية
Source : جريدة البيان الإماراتية -العدد 129
Publish Date : 2002-06-30


البيان
الأحد19 ربيع الثاني 1423هـ 30 يونيو2002 -العدد 129

ما الذي يبقى من المبدع بعد احتشاء في القلب، أو.. خثرة في الدماغ، أو احتراق، هل تبقى لوحاته، نصوصه، موسيقاه؟! لا ينفصم نص عن صاحبه، كما ان اللوحة تتضمن مبدعها فكيف اذا كان نسيج وحده في التشكيل كلؤي كيالي.
ولد لؤي كيالي في حلب عام 1934، ويتذكر وليد اخلاصي: «كان لؤي يتابع الرسم حتى خلال دروسنا في مدرسة التجهيز الاولى ـ المأمون ـ بمجرد ان تقع ورقة بيضاء بين يديه، وعلى حدود نهاية الدراسة الثانوية كان قد اقام معرضه الاول في المدرسة».
وبدلاً من دراسة الحقوق التحق بأكاديمية الفنون الجميلة في روما، فلم يلبث وهو طالب ان فاز عام 1958 بالجائزة الاولى لمسابقة سيسيليا، وبالميدالية الذهبية في مسابقة رافينا عام 1960.. ما يذكرنا بالنحات الحلبي فتحي محمد الذي درس في ذات الاكاديمية وفاز معرضه «الجمال العاري المؤنث» بالجائزة الاولى، حيث لايزال تمثاله «المفكرة» في احد ردهاتها، ومن تماثيله المعروفة هنا: تمثال نصفي لابي العلاء المعري في دار الكتب الوطنية بحلب وتمثال سعد الله الجابري في الساحة المسماة باسمه في حلب، وتمثال عدنان المالكي في دمشق.
وكان لؤي كيالي اقام معرضه الشخصي الاول في صالة «لافونتانيلا» في روما عام 1959، وكتب عنه الناقد الايطالي الشهير آنذاك «باولو بوتشيني»: «لوحاته تذكر بالرسوم الحائطية: الفريسك، من القرن 13 الايطالي مع تجديد في معالجة الخط واللون والتركيب يهتم بإظهار الانسان في مظاهره الاكثر حساسية والاكثر شاعرية في إطار حزين».
ولما عاد لؤلي كيالي من دراسته، اقام معرضه الثاني في «صالة الفن الحديث» بدمشق عام 1960، فحقق حضوراً فنياً لافتاً وتغطية اعلامية لم ينلها سواه، ذاك لانه اعتمد الواقعية ـ غير التقليدية ـ بخطوط قوية واضحة، ايقاعية تمزج بين الرقة والعنف والحزن، وبموضوعات من الواقع اعيد انتاجها على نحو جمالي مكثف، وبنكهة مختلفة عما كان سائداً في المشهد التشكيلي السوري آنذاك.
استقر لؤي استاذاً في كلية الفنون الجميلة واقام في دمشق مرسمه الخاص، وتوالت معارضه التي برع فيها برسم الوجوه ـ البورتريه ـ بخصوصية أخرجت الروح الداخلية لشخصياته الى ملامحها واسبغت عليها من حزنه الدفين، حتى باتت تلك الوجوه.. تماثله روحاً وتجليات واصابع طويلة ناحلة وعيوناً كينابيع الاسى في طقس لوني مدروس وخطوط هي ميزة لؤي كيالي بين مجايليه.
وقد خص احد معارضه بلوحات عن «معلولا» القرية التي لاتزال ترتل بآرامية المسيح، ببيوتها الصاعدة في الجبل، ومنذ ذاك صارت مزاراً للتشكيليين السوريين، بعد خروج لؤي كيالي من اعتكافه فيها، بهذا المعرض، ثم كان له مع جزيرة ارواد اعتكاف آخر خرج منه بمعرض عن الصيادين وشباكهم وقواربهم المسترخية على ملح الشواطيء.
حتى لوحات ازهاره بخطوطها الواضحة تمزج بين حزنه الاصفر وحالات فان كوخ في ازهاره الشهيرة! ثم تجيء لوحته الريادية «ثم ماذا؟» عن نازحي الارض المحتلة، التي استحالت فيها الوانه الى الاسود بكل تدرجاته.
لم يكن لؤي كيالي يؤمن بانتقال وتنقل التشكيلي بين اكثر من اسلوب، وقد اجاب عن هذا، في حوار معه: «نتاجي الفني ابتداء من العام 1959، يظل يدور ضمن مذهب واحد يراوح بين الواقعية والتعبيرية، وان اختلف في بعض الصياغات الشكلية. كالتشديد على الخط، أو ازالة تأثيره المباشر في تحديد الشكل أو ادخال التجريد في خلفية اللوحة.. كعنصر متمم لتأكيد جمالية العمل، أو لاضفاء مسحة سريالية غير مقصودة على بعض الاعمال».
ولان الرجل هو الاسلوب، شحذ لؤلي كيالي واقعيته الى اقصاها، مشحونا بإرهاصات نكسة يونيو فاقام معرضه الشهير «في سبيل القضية» عام 1968 حيث نرى في لوحاته ـ والسياق الآن للناقد نبيه قطايا ـ عيون شخصياته كنوافذ لعوالمها الداخلية، مع تركيزه على الايدي مسترخية ومنقبضة تعبيراً عن مشاعر الاحباط والخيبة والغضب المكتوم».
قوبل معرضه هذا بحملة مسعورة من بعض زملائه وبعض الصحفيين، اتهموا فيها لوحاته بالتشاؤم وبأنها تسيء للقضية، طالما انها تناولت انكسار الفلسطينيين ولم ترسم الفدائي سوبرماناً.
لم يحتمل لؤي النيران التي اشعلوها حوله، فأحرق لوحات معرضه كاملة، سوى لوحة تم انقاذها، ولما تزل موجودة عند الروائي فاضل السباعي، ثم باع لؤي ثيابه مكتفياً بقميص وبنطال، ليرسل بثمنها برقية الى يوثانت، الامين العام للامم المتحدة آنذاك، مطالبا إياه والمجتمع الدولي بالدفاع عن القضية الفلسطينية، فاذا لم يستطع.. فبالاستقالة!
بعد نيران معرضه خرج لؤي كيالي محطما، مشروخاً، في حالة من الاضطراب النفسي اوصلته الى الفصام، وقد عالجه الدكتور الدروبي في بيروت واقام له في منزله معرضاً، بيعت لوحاته كلها، فعاد لؤي الى حلب بما اتاح له شراء مرسم خاص به في حلب، متخذاًَ من مقهى «القصر» ركناً لاطلالته على حركة الناس فجسدهم في لوحات: المرأة الحامل ـ بائعوا اليانصيب ـ المرأة المرضع ـ بائع العلكة ـ بائع الجوارب، والطفل بائع الفستق، وكان يعلق اللوحة الناجزة منها في زاوية وكفة في مقهى القصر.
ظل لؤي كيالي ينتكس ثم يعود الى حالته بفضل المهدئات حتى اصيب بالاكتئاب فانتحر ـ كما يؤكد فاضل السباعي ـ لكنهم اشاعوا قصة احتراقه بلفافة تبغ لاسباب اجتماعية ودينية معروفة، بينما يؤكد التشكيلي سعد يكن عكس هذا في حوار اجريته معه:
«كان لؤي في آخر ايامه يريد ان يجعلنا جميعاً مسئولين عن وضعه النفسي والصحي الذي آل اليه، هذه الرغبة في معاقبتنا كلفته حياته، إذ لم تكن لديه اية رغبة في الانتحار، وكنت مع اخته «غالية» في المستشفى بعد احتراقه نحاول ابعاد ذبابة عنيدة عن حروقه، فقال لؤي وهو يضحك ساخراً لا استطيع ان اكشها، يداي اللتان آكل منهما احترقتا!
ورغم الاهتمام به ونقله الى مستشفى حرستا بدمشق إلا انه توفي نتيجة ذبحة قلبية مع ان حروقه قد بدأت تتماثل للشفاء».
يقول وليد اخلاصي في ذكرى وفاة صديق طفولته ودراسته الاولى: «لؤي كيالي ليس رمزاً من رموز حلب فحسب، وانما رمز من رموز الثقافة الوطنية في سوريا، فقد ارتقى بالواقعية الى تعبيرية عالية المستوى في وقت كانت الشكلانيات فيها تغزو اغلب نتاجنا التشكيلي.
لؤي.. جعلني شخصيا اتفاءل بجوهر الفن التشكيلي المعاصر، لكن لؤيا لم يفهمه احد للاسف حتى اقرب الناس اليه».
ثمة حادثة عن لؤي كيالي، فيما كان جالسا في زاويته المعتادة بمقهى القصر، واحدث لوحاته معلقة فوق رأسه، وكان اليوم وقفة عيد الاضحى حيث من عادة لؤي ان يعطي لعمال المقهى عيديات، غير انه وقف، حاملا لوحته الجديدة، فاعطاها للكرسون بكري قائلاً: ـ خذوها.. بيعوها، وتقاسموها.
لكن «بكري» اعطى من جيبه الخاص العيديات لزملائه وحمل اللوحة الى بيته، فقد كان يدرك بالفطرة انه امام فنان متفرد، ولا تزال اللوحة في بيت ابو الخير.. لا يفرط بها، وقد عرضوا عليه مراراً مبالغ كبيرة، قال انها اكثر من تعويضاته في التأمينات الاجتماعية بعد خدمة ثلاثين عاماً بعشرين ضعفاً، لكنه رفض بيع اللوحة على الدوام!
لانها: تذكار لا يقدر بمال قارون.. كما قال! لوحة لؤي كيالي تلك.. التي عند بكري «أبو الخير».. أغلى لوحاته ارتقاءً بالتواصل الانساني الى منتهاه، بل.. الى مبتداه، ذلك لان الابداع، ومنه: اللوحة.. مبتدأ، ثم يكمل الناس أخبارها، فتكتمل في الجملة دلالتها ويتجلى المعنى من خلف الخطوط عبر اندياح الالوان.