International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي صباح الخير أيها الحزن.

Article Title : لؤي كيالي صباح الخير أيها الحزن.
Article Author : ملحق ثقافي - جريدة الثورة السورية
Source : ملحق ثقافي - جريدة الثورة السورية
Publish Date : 2006-09-19


اسم جديد في الساحة الفنية: - العنوان الدائم، حلب، مقهى القصر من هو لؤي كيالي؟..
‏‏ ولد في حلب عام 1934، وبدأ الرسم صغيراً كعادة الذين تنفتح مواهبهم المبكرة، وأقام معرضاً له في مدرسته الثانوية، ثم التحق بكلية الحقوق، وبعد ذلك أوفد في بعثة لدراسة الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة في روما، وحصل على عدة جوائز عالمية في ايطاليا، ثم انتقل إلى قسم الزخرفة وحصل على شهادة أكاديمية الفنون الجميلة، عاد إلى بلاده، وكالعادة، فقد عين مدرساً للتربية الفنية في ثانويات دمشق، وبعد ذلك نقل لتدريس الرسم ومبادئ الزخرفة في كلية الفنون الجميلة في دمشق. أقام معرضه السابع في مدن القطر، وضم المعرض ثلاثين لوحة معالجة بالأبيض والأسود (الفحم) عبر فيه عن كفاح الإنسان العربي، وتنبأ فيه بهزيمة حزيران، حين وقع العدوان الإسرائيلي، أصيب بأزمة نفسية حادة، أتلف على إثرها لوحات المعرض،‏‏ وانقطع عن الإنتاج حتى بدايات 1969، حيث عاد إلى حلب ليتفرغ للرسم، وأقام معارضه في (روما ،ميلانو، وبيروت ودمشق وعمان). لقد بدأ لؤي يعرض نتاجه الفني بعد عودته من الدراسة في روما عام 1961، وكانت الحركة الفنية تشق طريقها متسارعة لتأخذ مكانتها بين الأنشطة الفكرية، دون أن يكون لها لون خاص بها، وقد مزجت بين مختلف الاتجاهات السائدة في العالم، وحاول بعض الفنانين الشبان الذين درسوا في الغرب أن يقدموا مفهومات جديدة من خلال الاتجاهات المعاصرة.. عاد لؤي ليزج بكل ما يملك من طاقة وقدرة على العطاء ليثبت قدمه في الحركة الفنية، لأنه لم يكن يملك رصيداً فنياً سابقاً وغير معروف في الأوساط الفنية المحلية، لذلك كان عليه أن يباشر بالتعريف على إنتاجه وقوة خطه. فشارك في المعارض الجماعية بلوحات قليلة لفتت الأنظار إليها بشكل صريح وأشارت إلى ما يملكه من مستوى فني وطاقة إبداعية بالإضافة إلى تميز أعماله بمظهر شخصي ورصانة في الأسلوب وجدية في العمل.‏‏

‏‏ كتب الدكتور سلمان قطاية حول معرضه الأول: «نجد أنفسنا مع بوتشللي وهو يرسم حبيبته في فلورنسا على صورة فينوس ساعة ولادة الجمال فيها، أو أننا في أروقة الكنائس والكاتدرائيات الفخمة القديمة، وقد انتصب على جدرانها قديسون بجلال رهيب ووقار ملكي، ووقفت الملائكة..عذارى يغضضن الطرف حياء ويرتلن الأناشيد على ألحان الألوان الهادئة». وربط بين أعماله وبين أعمال (جان دومينيك وادجار ديجا وتولزز لوتركي، الى أن يصل أخيراً إلى (بيكاسو العظيم في مرحلتيه الزرقاء والوردية حين عالج المآسي الإنسانية). وليكرس جملته الشهيرة: «إن الخط هو الرسم وهو كل شيء». وهكذا وضع لؤي إمكاناته وطاقاته ضمن طريق خاصة به محددة المعالم، تؤلف اتجاهاً لفنان ذي أسلوب مختلف كل الاختلاف عن الاتجاهات السائدة بين فناني القطر. وهو اتجاه خاص يحدد رؤية خاصة في قطاعات معينة من الناس، وفي عناصر الأشياء، موقف يرتبط بمعاني ذاتية لا ينفذ إليها إلا الباحث عنها. إيقاع البشر وخيوط الحزن ما هو سر (العيون الحزينة)؟ ولماذا كل هذا الأسى العميق المنبعث من عيني فتاة تفترش الأرض؟ وما هو هذا الشيء الحزين الذي يمزج ما بين التعبير النفسي والمظهر المادي للجسم؟ في لوحة (البائع الصغير) إنه الحوار الخطي المتناغم الذي يتكرر في جميع أعماله، والذي جعل الناقد الإيطالي فاليريو مارياني يقول: «تبدو الشخوص الإنسانية محاطة بتناغم إيقاعي من الخط، ومقدمة في جو لوني مدروس محكم، كما في الرسوم الحائطية الشرقية القديمة، تطالعك في لوحاته ثقة حية بالأشياء والإنسان..». وفي لوحات الطبيعة الصامتة والمناظر الخلوية تندمج عناصر الأشياء لتحمل دلالات إنسانية مأسوية. يساعد على ذلك الرداء اللوني شبه الموحد، والجو العام المخيم على لوحاته، مع التلاعب الخطي الذي ينتقل من وجه إلى زهرة ومن آنية إلى مئذنة، يعبر في قيم واضحة عن البعد المعنوي الحقيقي لهذه الأشياء. نحن إذاً أمام فنان جديد لا عهد للساحة التشكيلية بمثله، أدخل خبرة جديدة مرتبطة بتقنية مدروسة تتلاءم مع المفهوم المرتكز على ارتباط شكل اللوحة ومدلولها. ويهاجم الشكل ويدخل فيه، في أعمق عقده، ويبحث عن المقومات الحقيقية التعبيرية. وقد لاقى النجاح الكبير في كل معارضه فكتبوا عنه في الصحف الايطالية: (تقدم أعماله رسالة جيدة بالكلمات الفنية، غنية بالألوان المتقاربة من بعضها، ورغم أنها قدمت من وجهة نظر فردية إلا أنها قدمت بثقة وبتعبير جيد). -لقد تميز لؤي بالجهد الدؤوب والعمل الجدي المستمر في البحث الفني، فتارة يتخذ قرية (معلولا) مركز بحثه، فلا يترك منها زاوية إلا ويتأملها بخطوط سوداء ومساحات رمادية أو زرقاء، أو ألوان ضبابية متداخلة، في (صباح الخير..أيها الحزن). وتارة ينقل جهده إلى جزيرة (أرواد) ويحاصر الصيادين في ساعات ترميمهم الشباك، ويقنصهم في أوضاع جلساتهم الغريبة، ويحلو له الركون في مقهى القصر، فلا يترك (الباعة الصغار) دون اهتمام فيرصدهم في أكثر أعماله وعلى مدار فترة زمنية طويلة. ولم يكن الجمال المادي هدفاً أساسياً في أعماله، وإنما التعبير عن المضامين الإنسانية وبؤس الإنسان الحزين التي ترتبط بالمعاني النفسية والمتصلة بالحزن والألم بوجه عام. في عام 1965 عرض عمله الكبير (ثم ماذا)؟ وهو ملحمة فنية تتكون من ثماني نسوة يصطففن على نسق واحد، يستقبلن المشاهد، تتوجه أنظارهن إلى جهات مختلفة، بينما يوحدهن تعبير الألم والحزن المشوب بالرجاء في أقسى صورة، ورجل في منتصف اللوحة يشكل حلقة وصل بين المجموعتين ينتحل الأسود أيضاً وهو الوحيد الذي يخفض رأسه بخجل واضح ويزيد المعنى المسيج بالأسى بأيد مسبلة إلى الأسفل. وعلى جانبي اللوحة طفلان بشكل شبه متناظر، أحدهما يحمل حمامة السلام والآخر يحاصر أمه بيديه، ووجهه يتطلع إلى الأعلى متأملاً أمه في رعب واضح من هول ما يجري حوله من مأساة. الألم الإنساني رمز للتعبير حين استطاع لؤي أن يستأنف العودة إلى الرسم راح يسجل حركة الناس البسطاء الذين يراهم كل يوم، (المرأة الحامل، والمرضعة، بائعو اليانصيب والعلكة والجوارب) وازدادت لوحاته غنى لونيا، لقد بدأ يستعين باللون ليخلق جوا تصويراً عصرياً حياً، ويبقى الألم الإنساني رمزاً للتعبير عنده وتبقى المأساة من دون نهاية، لقد كان يحاول أن يقدم صورة لموقف الإنسان المنفعل شكلياً والقريب جداً من الحزن، هذا الموقف هو موقف يوازي إحساس لؤي بذاته، لأنه كان يدرك مأساة الآخرين أكثر من الآخرين أنفسهم.. كان لؤي يدهش بأشكاله، لأنه تناول انفعالات الحزن الأكثر قرباً لنا من الفرح نحن ناس الشرق، ولهذا السبب لا يستطيع المشاهد أن يقف موقفاً عدائياً من شخصياته لأنها تحرك الأشياء الدفينة فينا..وقد أراد لؤي أن تكون النهاية، لكنه لم يستطع أن ينجز فعل الموت، وجاءه الموت رمادياً ومقنعاً بأبهج احتفالات الحياة..لقد اعتاد أن يأخذ الحبوب المهدئة بعد مرضه، كان يجبر على تناولها، حتى أن أبا الخير ساقي المقهى كان يدسها له في فنجان القهوة المركزة، وقد صفعه مرة صفعة عنيفة عندما رأى الحبة في قعر الفنجان. أشعل سيجارته، وأغفى وككل قصص المآسي، أحرقت السيجارة فراشه وجسده، وبعد شهور انتهت حياة الفنان الذي كان عوداً أخضر فوق صحراء مترامية الأطراف من الرمال وبقي المقعد فارغاً في زاوية المقهى..